إليهما، فسمعت المظلوم يقول للظالم: لقد سلبتني فرح بنياتي، فسيدعون الله عليك فلا تصيب من بعدها خيراً، فأني ما خرجت إلا اتباعاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من خرج إلى سوق من أسواق المسلمين، فاشترى شيئاً، فحمله إلى بيته، فخص به الإناث دون الذكور - نظر الله إليه.)
قال الشيخ: وكنت عزباً لا زوجة لي، ولكن الآدمية انتبهت في، وطمعت في دعوة صالحة من البنيات المسكينات، إذا أنا فرحتهن، ودخلتني لهن رقة شديدة، فأخذت للرجل من غريمة حتى رضي، وأضعفت له من ذات يدي لأزيد في فرح بناته، وقلت له وهو ينصرف: عهدٌ يحاسبك الله عليه ويستوفيه لي منك، أن تجعل بناتك يدعون لي إذا رأيت فرحهن بما تحمل إليهم، وقل لهن: مالك بن دينار
وبت ليلتي أتقلب مفكراً في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعانيه الكثيرة، وحثه على إكرام البنات، وأن من أكرم بناته كَرُمَ على الله، وحرصه أن ينشأن كريمات فرحات؛ وحدثني هذا الحديثُ ليلتي تلك إلى الصبح؛ وفكرت حينئذ في الزواج، وعلمت أن الناس لا يزوجونني من طيباتهم ما دمت من الخبيثين؛ فلما أصبحت غدوت إلى سوق الجواري، فاشتريتُ جارية نفيسة، ووقعت مني أحسن موقع، وولدت لي بنتاً فشغفتُ بها، وظهرتْ لي فيها الإنسانيةُ الكبيرة التي ليست في، فرأيت بعدما ما بيني وبين صورتي الأولى؛ ورأيتها سماوية لا تملك شيئاً وتملك أباها وأمها، وليس لها من الدنيا إلا شبع بطنها وما أيسره، ثم لها بعد ذلك سرور نفسها كاملاً تشب عليه أكثر مما تشب على الرضاع؛ فعلمت من ذلك أن الذي تكتنفه رحمة الله، يملك بها دنيا نفسه، فما عليه بعد ذلك أن تفوته دنيا غيره، وأن الذي يجد طهارة قلبه يجد سرور قلبه، وتكون نفسه دائماً جديدة على الدنيا؛ وأن الذي يحيا بالثقة تحييه الثقة؛ والذي لا يبالي الهم لا يبالي الهم به؛ وأن زينة الدنيا ومتاعها وغرورها وما تجلب من الهم - كل ذلك من صغر العقل في الأيمان حين يكبر العقل في العلم!
كانت البنيةُ بدء حياةٍ في بيتي وبدء حياة في نفسي، فلما دبت على الأرض ازددت لها حباً، وألفتني وألفتها، فرزقت روحي منها أطهر صداقة في صديق، تتجدد للقلب كل يوم، بل كل ساعة، ولا تكون إلا لمحض سرور القلب دون مطامعه، فتمده بالحياة نفسها لا بأشياء الحياة، فلا تزيد الأشياء في المحبة ولا تقص منها، على خلاف ما يكون في الأصدقاء