وتخضعهم لسلطانها كرهاً. لعله نذير من أحد الآلهة يطالب بالضحية والقربان، لقد مضت أيام ولم تقدم الى الآلهة شاة ولم ينحر لهم جزور، ولم تصطبغ أرض المسجد بهذا الدم الحار القاني الذي تحب الآلهة لونه ورائحته. إيه يا عبد المطلب، تقرب الى الآلهة بضحية ترضيهم لعلهم يرضون، ولعلهم يكفون عنك هذا الشر! وأقبل الفتى على مجلس من مجالس قريش، فتحدث وسمع ولكنه كان شارد النفس فلم يطل الحديث ولا الاستماع ونهض مولياً، فلما انصرف عن القوم قال حرب بن أمية لمن حوله أرأيتم إلى سرى بني هاشم، أني لأراه محزوناً، أني لأعرف في وجهه الهم، لم يحدثنا اليوم عن مآثر أبيه ومفاخر عمه.
ومضى الفتى الى أهله، فلما دخل على امرأته أنكرت عودته إليها من الضحى، فاستقبلته دهشة وهي تقول: إيه يا شيبة ما خطبك؟ أني لأنكرك منذ أيام. أراك مؤرق الليل، قلق النهار، قليل الحديث، طويل التفكير. ولقد هممت أن أسألك مرات، ولكني خشيت ردَّك علي وانتّهارك لي. فأني لأعلم فيكم معشر قريش رقة للنساء، ودعابة معهن. ولكني لا أجد عندك ما أجد عند قومك، فأنت صامت إذا خلدت إلى أهلك، وأنت مقطب الجبين أن أظلك معهم سقف. تحدث ما يحزنك؟ اخرج عن هذا الصمت الذي لزمته، كن رجلاً من قريش، أشرك أهلك فيما يعنيك، لقد أذكر يوم أنبأني أبي أنك خطبتني إليه، لقد فرحت بهذا النبأ، لقد كنت أتحدث الى أترابي في البادية بأني سأصبح امرأة من قريش، أجد من نعمة الحياة ولينها ومن ظرف الزوج ورقته ما لا يجدن تحت خيام بني عامر بن صعصعة، ولكني وجدت نعمة وليناً، ووجدت حباً وعطفاً، ووجدت عناية لا تعد لها عناية، ولم أجد أحب ما كنت أطمح إليه، لم أجد منك ابتسام الثغر، ولا انبساط الجبين، ولا انطلاق اللسان. قالت ذلك وأنتظرت هنيهة. فأجابها زوجها بصوت هادئ حزين. عزيز علي يا سمراء ما تجدين من حزن، وما تحسين من خيبة الأمل. أني لأحبك كما يحب الضمآن ما ينقع غلته من الماء العذب. أني لآنس إليك أنسا يزيل عن نفسي كل هم ويحبب ألي الحياة ويرغبني فيها. أني لأشتاق إلى التحدث إليك والاستماع لك والأنس بك، ولو خيرت لما عدلت بمجلسك مجلس قريش ولا ببيتك فناء المسجد ودار الندوة. ولكن، قوة خفية عاتية طاغية تملك عليَّ نفسي وتأخذ عليَّ كل سبيل وتدفعني الى حيث لا أدري ولا أريد. أبه يا سمراء، أني لمؤرق الليل، قلق النهار مفرق النفس منذ ليالي، وأني لأخشى على نفسي شراً. هذا