روض نضير ولكن مثمر أبداً ... غيث ولكن ندى عمت مواطره
وما زال ينتقل في ذلك المدح من معنى إلى معنى إلى أن قال:
خذ من زمانك ما أغناك مغتنما ... وأنت ناه لهذا الدهر آمره
ودم بروض العلا والعز منبسطاً ... بمطربات الهنا يشدوك طائره
فصفق الأمير طرباً عندما بلغ الشعر ذلك، وصاح بالشيخ عامر يقول:
(عزمت علي يا شيخ إلا ما قمت إليه وقبلت رأسه كمل فعلت بالأديب ابن عطاء، فما هو بدونه مرتبة في الشعر ولا في الولاء. ولكم جميعاً مني أسنى جائزة)
فقام الشيخ إلى الشاعر وقبل رأسه وهو يقول:
(وما لكم لا تشكرون لي وخزاتي. أيها الأمير أكنا نظفر منهما بهاتين الدرتين بغير وخزات لساني؟)
فضحك الأمير والحاضرون منه وقال رضوان:
(أتذر البيت القديم يا شيخ عامر؟ لقد قلته لي منذ أيام فلولا أن النار تحرق ما حولها ما شم أحد رائحة ال. .)
فقال الشيخ منشداً البيت:
لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يُعرف طَيبَ عرف العود
فقال الأمير (هو هذا. هو هذا. لقد حفظت معناه ولكني لا أقوى على حفظ لفظه.)، ثم نظر إلى مملوك واقف إلى يمينه، وقد وضع يديه على صدره تأدباً وقال له:
(يا محمود، اذهب إلى خازنداري، وبلغه أمري باحضار ما اعتدت بذله في مثل هذا اليوم)
ولم يخرج أحد من الحاضرين في ذلك المجلس بغير ما يرضيه، غير ان الشيخ الحفني أبى أن يأخذ شيئاً من الأمير، بل قبل الأمير يده وسأله الدعاء، وخرج الشيخ الوقور وهو يدعو للأمير بالتوفيق والهداية)
وكان الشاعر ابن الصلاحي في كل ذلك متواضعاً ساكناً لم يثر لغيره، ولم يتقدم لمنافسة، بل كان يرب كما يطرب الحضور ويعجب كما يعجبون، ولما أوشك عقد الجمع أن ينفرط رفع عقيرته فأنشد مرتجلاً:
يا مساء السرور كيف اختلسنا ... فيك أنسا كأنما هو شك