الحرب فانه لا يقف في سبيلي إليها خوف أو جزع، ولا يتكاءدني في طريقي إليها خور أو فزع، والقوم قد لجوا في عتو ونفور، وسأخسف بهم الأرض فإذا هي تمور. فلما استيأسوا منه خلصوا نجياً، قال كبيرهم (إن المهلهل لا ينثني. والرأي عندي أن نبعث نفراً منا إلى بكر يعرضون عليهم. الفداء مشتطين فيه حتى لا يكون لبكر قبل بأدائه، ولا يجدوا سبيلاً إلى وفاءه، فان عجزوا - وسيعجزون - كان لنا في حربهم سبب ومعذرة) وابتلوا من بينهم ثلاثة بالسفارة إلى مرة بن ذهل ابن شيبان وهو أبو الحرث وأبو هام وأبو جساس وأبو جليلة.
قالوا له (إنكم أتيتم عظيماً بقتلكم كليباً بناب من الأبل، فقطعتم الرحم، وانتهكتم الحرمة، وإنا كرهنا العجلة عليكم دون الاعذار اليكم، ونحن نعرض خلالاً أربعاً لكم فيها مخرج ولنا مقنع)
فقال مرة (وما هي؟) قالوا: (تحيى لنا كليباً! أو تدفع إلينا جساساً قاتله فنقتله. أو هماماً أخاه فانه كفء له، أو تمكنا من نفسك فان فيك وفاء من دمه) قال: (أما إحيائي كليباً فهذا ما لا يكون، وأما جاس فانه غلام طعن على عجل ثم ركب فرسه فلا أدري أي البلاد احتوى عليه، وأما همام فانه لن يسلمه الى أبناؤه العشرة، ولا أخوته العشرة، ولا أبناء أخوته العشرة أولئك جميعاً لا يدفعون به إليّ ولا إليكم، وهم فرسان قومهم لتقتلوه بجريرة غيره، وأما أنا فهل هو إلا أن تجول الخيل جولة غداً فأكون أول قتيل بينها، فما أتعجل من الموت ولكن لكم عدني خصلتان: أما إحداهما فهؤلاء بني الباقون فعلقوا في عنق أيهم شئتم نِسْعَةً فانطلقوا به الى رجالكم فاذبحوه ذبح الجزور، وإلا فألف ناقة سوداء المقل أقيم لكم بها كفيلاً من بني وائل)
وارحمتاه لهذا الشيخ المنكود مرة بن ذهل، هذه ابنته جليلة قد قتل زوجها فعادت إليه مكلومة الفؤاد مهيضة الجناح، وهذا ابنه جساس قد قتل زوج أخته وفر لا يعلم له مستقر، وهذا ابنه الحرث بن مرة فر من الموت في وقعة النهي فأدركه الموت في وقعة الذنائب إثر طعنة من كعب بن زهير، وهذا ابنه همام طلب للموت يوم عرض الفدية فضن به أبوه، وطلبه الموت يوم (واردات) فما استطاع أبوه للموت رداً