ولا يخفى ما يعضد جمال المعنى من تلاعب في اللفظ، وكثيراً ما يكون التلاعب من الجمال
ومن جمال النكتة قول سبط بن التعاويذي:
قل لمن أصلي هواها ... كبدي ناراً تلظى
يا قضيب البان قدا ... وغزال الرمل لحظا
أنت أحلى من لذيذ ... النوم في عيني وأحظى
قد بذلت الوصل في الطيف فلم أعرضت يقظي؟
لا أرى لي، والمودات ... حظوظ، منك حظاً
آه من رقة خدٍ ... صيرت قلب فظاً
جمال الشعر من هذه الأبيات يتجلى في الأربعة الأخيرة، أما النكتة ففي الأخير، ولعل الفتنة فيما قبله، ولعل مبعثها اعتراض الجملة الوسطى، والاعتراض في الشعر جمال يأخذ اللب بسحره، ولعلنا نأتي على طرف منه في آخر هذه الكلمة
كني برقة الخد عن جمال الوجه، وإنما حض الرقة باطلاق الخاص على العام، وهي أحد جزيئات الجمال، ليقابل بها الفظاظة في الروي، فهو من جمال الفن
لما أثبت له الجمال كان من لوازمه الاعجاب والزهو في الجميل وهما مبعث الدلال والتجني، وهذان يحملان على القسوة وعدم الرأفة بالهائم في ذيهما لكثرة العشاق حوله، فكان اذن من لوازم الجمال قسوة القلب، وليست النكتة فيما تسمع، ولكنها في ايهام جعل الرقة علة للفظاظة وهما نقيضان، بتصرف تظهر النفس معه بمظهر الروعة والدهشة
فالشاعر في الحقيقة لم يجعل الرقة علة للقسوة، وانما جعل الفظاظة مسببة عن تجني الحبيب مزهواً بجماله، ثم كنى عن الجمال بالرقة التي هي إحدى جزئياته، فصح له إذ ذاك تعليل الشيء بجزئي سببه
يقول شمس الدين العاملي يمدح كامل بك الأسعد نجل خليل بك الأسعد وهما من زعماء بلاد (عاملة):
وإكسير علم ركبته قريحتي ... غنيت به عن قصد كل بخيل
إذا شئت أن أثرى صنعت سبيكة ... وأهديتها للكامل بن خليل