وتنعت بأنها رد على النصيري (الفاسق) وهو ما يقوله لنا كاتبها أيضاً في الديباجة؛ وفي معظم هذه الرسائل يذكر لنا الكاتب اسمه وهو حمزة بن علي. ولكن هناك مجموعة ثالثة تختلف في موضوعها عن المجموعتين السابقتين، وليس لها عنوان، ولم يذكر فيها اسم الكاتب، ولكنا لا نشك في أنها من تأليف حمزة بن علي على نفسه لما بينها وبين الرسائل الأخرى من التشابه الواضح في الروح واللهجة والأسلوب. . . وسنرجئ الكلام عليها الآن؛ ونبدأ ببحث رسائل هذا الداعية الغريب، حمزة بن علي، ونحاول أن نستخرج منها بعض الحقائق التاريخية التي ما زالت تقدم إلينا في أثواب من الريب والغموض والتناقض، والتي كانت أعظم ظاهرة في عصر الحاكم بأمر الله، وكانت مستقى لكثير من النزعات والأهواء المدهشة التي أحاطت تلك الشخصية الغريبة بسياج كثيف من الخفاء والروع
من الحقائق التاريخية المعروفة أن بعض الدعاة الملاحدة قد دعا إلى ألوهية الحاكم بأمر الله، وأن الحكام كان يغذي هذه الدعوة ويمدها بتأييده. وقد ذكر لنا ذلك أكثر من مؤرخ، في مقدمتهم ابن الصابي، وهو كاتب معاصر، وشمس الدين سبط ابن الجوزي، والهبي؛ وكان في مقدمة هؤلاء الدعاة شخص يدعى بالأخرم، زعم ألوهية الحاكم ودعا إليها جهراً في جامع عمرو مع نفر من أصحابه، فثار الناس بهم ومزقوهم وفر الأخرم؛ ثم قام بهذه الدعوة داعية آخر هو محمد بن إسماعيل الدرزي، وكان أوفر ذكاء وبراعة، فصاغ دعوته في مذهب منظم ذي قواعد وأصول خاصة، وألف كتاباً في ذلك؛ فقربه الحاكم وتمكن نفوذه لديه حتى غدا أقوى رجل في الدولة؛ ولكنه لما حاول إذاعة مذهبه والدعوة إليه بجامع القاهرة (الأزهر) ثار الناس عليه، فالتجأ إلى القصر، فحاصرته الجموع، وأنكره الحاكم خوفاً من الثورة، وعاونه على الفرار؛ فسار إلى الشام، ونزل ببعض قرى بانياس، ونشر دعوته، فكانت أصل مذهب الدروز الشهير؛ وقوامه القول بالتناسخ وحلول الروح؛ وأن روح آدم انتقلت إلى علي بن أبي طالب، ثم انتقلت روح علي إلى الحاكم بأمر الله
ثم ظهرت الدعوة كرة أخرى على يد حمزة بن علي، والظاهر أن حمزة عمل مدى حين مع الدرزي ثم اختلف معه وخاصمه؛ كما يبدو ذلك في إحدى رسائله. وفي هذه الرسائل العجيبة يشرح لنا حمزة مذهبه في (ألوهية) الحاكم بأمر الله، ويقدم إلينا شروحه وأسانيده،