ويحاول أن يعلل لنا كل ما ارتكبه الحاكم من الأعمال والاجراءات الشاذة ويتخذ منها سنداً لنظريته. وقد نسقت هذه الرسائل، وهي ثمانية، على حدة في المجموعة المخطوطة الصغرى التي اقتنتها دار الكتب أخيراً، وأشرنا إليها فيما تقدم؛ ويلوح لنا أن هذه المجمعة تكون وحدة متصلة منتظمة، وأن ما أدرج منها في المجموعة الأخرى قد أدرج على سبيل الاختيار العام من مؤلفات الكاتب؛ ولهذا نؤثر الاعتماد عليها في عرض قواعد هذه العدوة الغربية التي كادت تحدث في هذا العصر ثغرة خطيرة في صرح الإسلام ومبادئه الحقيقية كتلك التي احدثتها فورة القرامطة قبل ذلك بنحو قرن
يفتتح الداعي كتابه بما يسميه (ميثاق الزمان)، وفيه صورة الشهادة بالتبرؤ من جميع الأديان الأولى والدعوة إلى الدين الجديد، أي عبادة الحاكم؛ يحدثنا عن اصل العالمين وبدء الخليقة في عبارة غامضة ويقول إن أصل العالم هو البرودة والحرارة؛ ويقدم إلينا بعد ذلك خلاصة موجزة عن معركة علي ومعاوية وبدء الحركة الشيعية؛ ثم يصف الحاكم بأنه (مولانا القائم بذاته، المنفرد عن مبتدعاته، جل ذكره، أورا العالم قدرة لاهوتية ما لم يقدر عليه ناطق في عصره ولا أساس في دهره. . .) ويطلق عليه لقب (قائم الزمان)، في جميع مراحل الدعوة رمزاً إلى القول بالحلول والتناسخ، وأنه هو الرمز الحي القائم. ويعرض الداعي بعد ذك في جرأة إلى قواعد الإسلام، وإلى ما يلقي في شأنها في مجالس الحكمة الباطنية؛ وهنا نستطيع أن نظفر بلمحة من الضياء على موضوعات تلك المجالس السرية الشهيرة التي لبثت عصراً تعقد بالقصر ثم انتظمت بعد ذلك في جامعة خاصة هي دار الحكمة؛ وأول ما نعرف هو أن السرية كانت قاعدة أساسية لهذه المجالس، وأن من يجرؤ على إفشاء مناقشاتها يعتبر منافقاً وخارجاً يستحق اللعنة والعقاب. وقد نقل إلينا المقريزي بياناً ضافياً عن المبادئ الكلامية العامة التي كانت تدور عليها الدعوة الفاطمية السرية في مراتبها التسع؛ ولكن الداعي يتناول هنا بعض الشروح الخاصة؛ فيحدثنا عن الزكاة مثلاً بأنها في الحقيقة ليست كما تلقي إلى الناس؛ بل هي الاعتراف بولاية علي بن طالب والأئمة من ذريته والتبري من أعدائه أبي بكر وعثمان، وأن معناها الباطن هو في الحقيقة (توحيد مولانا جل ذكره، وتزكية قلوبكم وتطهيرها من الحالتين جميعاً، وترك ما كنتم عليه قديماً). وعن الصوم بأنه من الناحية الباطنة صيانة القلوب بتوحيد مولانا جل