للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وما هي روح الأدب في فرنسا قبل القرن السادس عشر؟. . . . روح فروسية وبطولة تفيض بالحماسة وتنسج الملاحم على طراز ملحمة عنترة في اللغة العربية. إلا أنها ملاحم من شعر لا روعة فيه ولا وحدة ولا قافية، فيكفي أن يكون موزوناً

والعصور التي سبقت العصر السادس عشر في فرنسا لم تكن بالعصور اللامعة في حضاراتها. فما هناك غير حروب وغزوات. فالقوم كانوا يعيشون على صهوات الخيل، يبايعون يوماً هذا الأمير وينتصرون يوماً لذاك، والحروب كانت أبداً عندهم على لظى واضطرام. فما التفتوا إلى الأدب مثلهم إلى السيف.

وهم إذا صاغوا بعض آثار أدبية فقد صاغوها لخدمة السيف ورجال السيف

على أنهم ما تذوقوا طعم الأدب الصحيح حتى باتوا يجدون فيه ضرورة من الضرورات لا غنى لهم عنها في حياتهم العامة والخاصة. فأصبح الأدب لديهم أشبه بالقوت. وتكاثر رجال الأدب فيهم. وبرز القرن الثامن عشر حافلاً برجال الفكر من أمثال (فولتير) و (جان جاك روسو) وطغى الأدب على السيف واستولى على الأفكار والعقول. ولفت الأنظار إلى مظالم الملوك. فخرج الشعب من غفلته واعد الطريق إلى ثورة ١٧٨٩، وهي الثورة الفرنسية الكبرى. وهذه الثورة مع اخمادها روح الأدب زمناً، أحيت في الصدور أدبا جديداً شق طريقه (شاتوبريان) ولحقه فيه (لامرتين) و (ألفرد ده موسه) و (فيكتور هوجو)

فالشعر في فرنسا لم يعرف مجده الأسمى في عهد غير ذلك العهد، وتوالت الأيام فما ظهر بين الفرنسيين شاعر يستوي ومن سطع في القرن التاسع عشر من شعراء. نعم، إن القرن العشرين لا يزال في مرحلته الأولى. وليس من العجيب أن يتلألأ فيه نجم يكسف ما أشرق في سماء الأدب الفرنسي من كواكب ونجوم. على أن هذا النجم لا يزال في برجه تسد دونه النوافذ والأبواب

ووقوف الأرحام عن إتحاف فرنسا بهذا الشاعر المتفوق لا يدل على أن الأدب الفرنسي في جمود. فالأدب الفرنسي اليوم كثير الرواج، فائق الإنتاج، يهدي إلى العالم الغث والسمين، المتين والركيك، العالي والسخيف، كل أدب في غليان، ككل بضاعة تجد أسواقاً تقبل عليها وتلتهما. ولا ريب في أن هذه البضاعة تنفد وتذوب. ولا يبقى منها على توالي الأيام غير الجيد الجيد. والجيد دون القليل. فليس كل ما يأتينا به أي أدب من الآداب بالخالد الباقي

<<  <  ج:
ص:  >  >>