والفضل في رواج الأدب الفرنسي أن له دولة تحميه. فهو لم ينهض إلا يوم قامت في فرنسا دولة موحدة. وسيظل حياً ما بقيت هذه الدولة تنشر حضارتها في العالمين، فالأدب لا تقوم له قائمة إذا لم يكن إلى جانبه سلطان يذود عنه ويدفعه في طريق النهوض، شأن الأدب الهندي، والأدب الصيني، والأدب الفارسي، والأدب العبراني، والأدب اليوناني، والأدب اللاتيني، والأدب العربي
وأين كان الأدب الفرنسي يوم كان الأدب العربي في الوجود؟
وكان نكرة من النكرات
كان لا شيء
فالأيام لم تكد تلقي بذوره في الأرض
وكم استفاد الأدب الفرنسي من الأدب العربي!
فان مؤرخيه أنفسهم يعترفون بفضل الأدب العربي عليه فلولا الأدب العربي لطال جهل الفرنسيين فلسفة أرسطو. فقد نقلوا فلسفة الحكيم اليوناني إلى لغتهم باعتمادهم اللغة العربية، وكانوا يهتمون بهذه اللغة ويطلعون على دقائقها ويدرسونها يوم كان العرب يحتلون الأندلس. وكم استغلوا من روائعها وكم اقتبسوا منها! فان شعرهم لم يعرف الألوان قبل وقوفهم على الشعر العربي. وبعض المؤرخين يقول إن ذلك الشعر اعتمد القوافي يوم درس الفرنسيون الآداب العربية واطلعوا على منظوم شعراء العرب
فالأدب الفرنسي لم يكن له وجود يوم كان الأدب العربي ريانَ وضاءً، ينشر لواءه من قلب فرنسا وإيطاليا إلى خليج العجم وإلى ما هو أبعد من خليج العجم. أما احتل العرب بلاد الهند؟ أما نشروا فيها حضارتهم؟. . . أما حملوا إليها القرآن ولغة القرآن؟. . . أما جاء زمن سادت فيه لغة القرآن العالم فاحتلت ثلاث قارات: هي أسيا وأفريقيا وأوربا؟. . . .
وأين كان شعراء فرنسا يوم عرفت الجاهلية أصحاب المعلقات؟.
وأين كان فيكتور هوجو يوم نشأ المتنبي؟
وأين كان (فولتير) يوم عرفت الآداب العربية أبا العلاء المعري؟. . .
لقد سبقناهم بألف ومئة سنة. هذا إذا خضعنا لقول القائلين أن الأدب العربي عرف الحياة