(عيب يا سيدي، عيب! أنا بنت يتيمة، وأنت رجل كبير. . . تؤ. . . تؤ. . . عيب!)
فبهت الرجل، فقد كانت قبلته من عطف أبوي، ومن كرم النفس ومروءة القلب، وساءه جحودها وسوء ظنها، وأغضبه هذا التأويل، فقال:
(ولكن يا ابنتي ماذا حصل؟ أي عيب؟)
فقالت بصوت أعلى (أقول لك عيب يا سيدي، لا لا لا. . . أنا في أمانتك. . حرام عليك يا سيدي! وأنت رجل كبير)
ولم يكن يرى ابنه فلم يفطن إلى الباعث لها على هذا الاستهجان؛ أما ابنه فرأى وسمع، وأسرع إلى أمه ينبئها ويقص عليها الحكاية فنهضت الأم كالمجنونة إلى هذا الزوج الذي يتغفلها ويزعم نفسه مريضاً مدنفاًٍ ويروح يقبل الخادمات! ومن يدري ماذا يصنع غير ذلك؟ ومن الذي يمكن أن يثق به أو يصدقه بعد هذا؟
وكان الرجل قد طرد الخادمة من حضرته. لما رآها تلج في الاستنكار وتأبى إلا أن تسيء تأويل الحادثة، فخرجت، ولم تكد تفعل حتى دخلت الزوجة كاللبوة الهائجة:
(معلوم! معلوم! تدعي المرض، وتقول أبعدوا عني وخلوني استريح، لتخلو بالخادمة فتقبلها وتحضنها! ما شاء الله! هل المريض يعانق الخادمة؟)
فطار عقل الرجل، وله العذر، وخطر له أن الخادمة هي التي ذهبت تشكو إلى زوجته، وتذكر في هذه اللحظة أنه أعطاها الرسائل، وأن فيها نعيه إلى الصحف والنيابة، ولكن الغضب صرفه عن الموت، وفتر الرغبة فيه، وأحس أنه لا يريد أن يموت، بل أن يميت - يقتل هذه الخادمة اللعينة التي يحسن إليها فتسيء إليه، وتشنع عليه، وتحيل البيت قطعة من جهنم، فترك زوجته تتكلم وخرج يقول:
(أين هي؟ أين هي؟)
وعرف أنها خرجت فانطلق وارءها، ليسترد الرسائل منها، ويرى له بعد ذلك رأياً فيها - نعني في الفتاة. وبصرت به الخادمة مقبلاً، ورأسه عار، ووجهه مضطرم، وكانت تحس في قرارة نفسها أنها ظلمته وتجنت عليه، فأيقنت أنه خرج وراءها هائجاً، وأنه يطلبها ليضربها، فراحت تعدو، فلم يسعه إلا أن يجري وراءها، ولكنها في الثامنة عشرة من عمرها، وهو في الخامسة والأربعين، فما عسى قدرة مثله على إدراك مثلها؟ فأخذ يصيح