ولج به هواه، فأحضر عصبة من الحمالين الأقوياء، نقلوا له تمثاله إلى ردهة الآلهة - كما كان يسميها - وهي صالة واسعة في الطابق الثاني من البناء الذي فيه ممثله؛ وقصد إلى أمهر الصاغة وتجار اللآلئ، فاشتري ما وسعه من الحلي البالغة والجواهر النفيسة؛ وعاد فقرط الأذن، وقلد الجيد، وتوج الرأس؛ ثم هام في المروج الخضر، والحدائق الغناء، يجمع الورود والرياحين، كيما ينثرها تحت قدمي التمثال!
وتحولت الردهة إلى معبد من معابد البوذية المقدسة، بما عكف يحرقه من مقتني الند، وفواح الرند، في مباخر المرمر الجميل المصففة حول قاعدة التمثال
وتلف تلفاً شديداً من هذا الغرام العجيب، فلم يكن يكتفي بالعبادة في الحب والخبوت بين يدي ذلك الصنم المنتصب للفتنة، بل كان يشركه في كل أمره، ويعرض عليه جميع شأنه، حتى القراءة! فطالما كان ينشده من دواوين الشعراء ما جادت به القرائح وشدت به الألسن، وتغنت بألحانه قلوب العاشقين!
معذور بجماليون! لقد تعب وراء الحب، ولكنه لم يلق هذه الغيداء الفاتنة، التي تستطيع التسلط على مشاعره، والهيمنة على فؤاده، وكان يتخيل روعة الجمال فلا يجدها مجتمعة إلا في هذا التمثال الذي نحته لهذه الأنثى، فعبده، وراح يتمنى على الآلهة الأماني، أن تنفخ فيه روحها، وأن تهبه الحياة ونعمة العيش
وبينما هو نائم في هدأة فجر اليوم التالي، إذا به يصحو فجأة على لغط شديد، وهرج عال في الشارع الذي يقع فيه بيته. فينهض إلى النافذة، ويرفع الستر، ويفتح أحد المصاريع قليلاً، ثم يحني رأسه ليرى. وإذا موكب زاخر من غوغاء المدينة يحمل تمثالاً كبيراً من تماثيل فينوس التي صنعها بجماليون؛ وإذا الدهماء ينشدون الأناشيد الشعبية، ويرسلون في غبشة الصبح أغانيهم (البرجوازية) الجميلة. . وكان من عادة سكان أماذيس أن يحتفلوا بالربة فينوس ثلاثة احتفالات يفاجئون بها النائمين ثلاث مرات كل سنة؛ فلما عرف بجماليون أن الحفل حفل فينوس، أسرع فارتدى أبهى ملابسه، وجمع بعض باقات الزهور المبعثرة تحت قدمي تمثاله، وهرول على الدرج، ثم انفتل في الشارع، واندمج في صميم الشعب الذي يلهج بالصلوات والأدعية باسم فينوس. ثم ما هي إلا هنيهة، حتى كان بجماليون يهتف كما يهتف الأطفال والسذج، ويرد من الصلوات ما يرددون