للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولم لا؟ هل لحظة من الزمان هي خير من هداة الفجر ترسل فيها الصلوات على أول آراد الصباح، إلى آلهة السماء، وأرباب الأولمب، فتسمع وتلبى؟

وكان كل همه أن ينتهي هذا الحشد الهائل إلى المعبد، حيث يستطيع أن يرتل دعاءه، ويتمتم بصلاته

وقد تنظر حتى فرغ الكهنة من جميع الطقوس التي اعتادوا أن يقوموا بها في مثل ذلك اليوم؛ وأخذت الجماهير تنصرف هاشة مستبشرة، كأنما غمرتهم نفحات خالدة من فينوس. ولما لم يبق في المعبد إلا كهنته، وأفراد من الأتقياء الصالحين، يصلون صلاتهم، ويغمغمون بأدعيتهم، تقدم بجماليون في روعة التقى وخشوع الورع، ووقف خافتاً أمام المذبح، حيث تصاعدت ألسنة البخور المعطر، حاملة الأرج الشذى من لهب المحرقة إلى سقف. . . والسجف، فتكسب الهيكل جوه القدسي البديع.

ثم ألقى في اللهب بحفنة من فتيت الكافور والمسك، وطفق يرتل هذا الدعاء الطويل: (فينوس الكريمة البارة، يا ربة الحب الطاهر، والهوى البريء، أيتها القديرة على كل شيء، المتصرفة في جدود العاشقين، وحظوظ المدنفين: أصغي إلي، ولا ترفضي دعائي: منذ اهتديت إليك، وأنا عبدك القانت لك، الهاتف باسمك في الغدو، المصلي لك في الأصال؛ لا أني عن ذكرك، ولا يفتر لساني عن التسبيح لك، والنسك من أجلك؛ باسمك أقبل على فني، ومنك استلهم وحي العبقرية فأنت لي كل شيء

ولقد أيقظتني صلوات الشعب لك من أحلامي الجميلة بك، فلم أطغ ولم أستكبر، بل هرعت إليك، أتوسل بك، وألتمس البركات منك، فحنانيك يا فينوس!

حنانيك يا ربة الحب، وجابرة القلوب الكسيرة، والنفوس الحائرة!

أنت، من غير ريب، تعلمين ما ألم بي من برح هذا الهوى الطارئ، وما تام قلبي من حب هذه الدمية التي صنعتها باسمك، ونذرتها لك، فدلهتني وشدهت روحي المبلبلة، وصارت لي أعذب الأماني وأعز الآمال. وهي بعد رخامة لا روح فيها ولا نأمة، أكلمها فما ترد، وأناجيها فما تجيب، وأغني لها فما تبتسم، أنت قديرة يا فينوس! فانفخي فيها من روحك، وانشري الحياة في أركانها، وامنحيها النبضات والأنفاس

حنانيك يا فينوس! وسلام لك من قلوب العاشقين)

<<  <  ج:
ص:  >  >>