وما كادت صلاته تنتهي حتى انهمر الدمع من عينيه يروي قدمي التمثال المنتصب في المحراب فانبعث الشرر عالياً من المحرقة حتى أضاء قبة الهيكل، والتمع في جميع أرجائه وأقبل الكهنة والمصلون يباركون بجماليون ويهنئونه. لأن انبعاث الشرر هكذا، عقب الصلاة، وهو في اعتقادهم دليل رضى الربة، وأية تلبيتها واستجابتها.!!
ولكن مثالنا لم يشعر بقلبه يثلج، ولا بنفسه تهدأ، بل بالعكس، أحس كأنما الحياة تتدجى أكثر من قبل، ويحلو لك كل شيء في عينيه، وشعر كذلك بقنوط قاتل ينفذ إلى صميمه، فيطفئ فيه ما رجى من الآمال البيض، والأماني العذاب! فتعثر إلى الباب غير آبه لما حوله من الآس المنضود في أنحاء المعبد، والزهر المبثوث في صحنه الرحيب. وما برح بين وني وبطء، حتى بلغ باب منزله، فولج متساقطاً على نفسه، وانبطح على أول سلاليم الدرج لا يحس ولا يعي!
وغفا إغفاءة مريضة، فبدا له أن يحمل أرزبة هائلة، يهوي بها على رؤوس الدمى، ويحطم بها التماثيل المنتشرة في ردهة الآلهة. . . إلا تمثال فينوس الجديد، المرصع باللآلئ واليواقيت! ففزع فزعة مروعة، ونهض يعدو إلى الصالة، يتفقد التمثايل. . . فما راعه إلا أن يسمع صوتاً رقياقاً يناديه:(بجماليون. . . بجماليون. . . إرق إلى هنا. . . هلم إلى!!)
من؟ صوت من هذا؟ إنه صوت مرمري لا عهد لبجماليون به!!)
وقفز قفزات كان بها في الطابق الثاني؛ ونظر فلم يجد تمثاله الحبيب في المكان الذي غادره فيه. . . (. . . أين؟ ويحي! لصوص!)
ولكن الصوت الرقيق الرنان عاد يطن. . . ويرن (لا. . ولكنها فينوس!) والتفت بجماليون فرأى غادة هيفاء في طبق تمثاله ونسجه، متكئة على الأريكة التي طالما وضعها أمام التمثال وأنشد الأشعار؟!