للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يزعم الطاغية أنه يعز قومه - وما أراه يعزهم - ولكنه يمتحن ذلهم وضعفهم وهوانهم على الأمم؛ فهو يتجزأ شيئاً فشيئاً منتظراً ما يتسهل مترقباً ما يمكن؛ وهو يرى أن أخلاقنا الإسلامية هي أمواتنا دفنوا أنسهم فينا؛ فمن ذلك يهدم الأخلاق ويظن عند نفسه أنه يهدم قبوراً لا أخلاقاً

ولقد سخر منه المصريون بنكتة من ظرفهم البديع، وجاءوه من غريزته فصنعوا امرأة من الورق الذي يشبه الجلد، وألبسوها خفها وإزارها، حتى لا يشك من رآها أنها آدمية، ثم وضعوا في يدها قصة وأقاموها في طريقه؛ فلما رآها عدل إليها وأخذ من يدها القصة وقرأها، فإذا فيها سب له ولآبائه، وسخرية من جنونه ورعونته المضحكة؛ فغضب وأمر بقتل المرأة؛ فكانت هذه سخرية أخرى حين تحقق أنها من الورق، وأخذته النكتة الظريفة بمثل البرق والرعد؛ فاستشاط وأمر عبيده من السودان بتحريق الدور لا ونهب ما فيها وسبي النساء والفجور بهن؛ حتى جاء الأزواج يشترون زوجاتهم من العبيد بعد أن طارت الزوبعة والسوداء في بياض الأعراض

اندلعت ثورة الفجور في المدينة، لا من العبيد، ولكن من الحيوان العتيق المستقر في هذا الطاغية

المجلد السادس

وهذه رعونة من أقبح رعوناته، كأن هذا الحيوان لا يحسب نساء لأمة كلها إلا نساءه، فيأمرهن بأمر امرأته، وكأن النساء في رأيه هن إلا استجابات عصبية تطلق وترد

إن لموجة الفسق في الغريزة الطاغية جزراً ومداً يقعان في تاريخ الفساق؛ فهذا الطاغية قد جزرت فيه الموجة، فأمر أن يمنع النساء من الخروج ليلاً ونهاراً، لا تطأ أرض المدينة قدم امرأة؛ وأمر الخفافين ألا يصنعوا لهن الأخفاف والأحذية؛ ولما علم أن بعض النساء خرجن إلى الحمامات هدم الحمامات عليهن!

ولو مدت الموجة في نفس الفاسق لفرض على النساء الخروج والاتصال بالرجال والتعرض للإباحة

إن الصلاح والفساد كلاهما فساد، ما لم يكن الصلاح نظافة في الروح وسمواً في القلب

<<  <  ج:
ص:  >  >>