للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نسب الفاطميين خلفاء مصر، وأنهم ليسوا من آل البيت، بل هم ديصانية ينتسبون إلى ميمون ابن ديصان، بل إنهم كفار زنادقة، وفساق ملاحدة، أباحوا الفروج، وأحلوا الخمور، وسبوا الأنبياء، وادعوا الربوبية. وفي سنة ٤٤٤هـ، كتب ببغداد محضر آخر يتضمن نفس المطاعن؛ وزيد فيه أن الفاطميين يرجعون إلى أصل يهودي أو مجوسي. ونلاحظ أن الوثيقة الأولى صدرت من بلاط بغداد، وفي عهد الحاكم بأمر الله، وقد كان في تصرفاته وفي ظروف عصره، ما يصلح مادة غزيرة لهذه المطاعن

- ٢ -

كانت مصر غنماً يسيراً للدولة الفاطمية الفتية، ولكنها كانت أسطع جوهرة في تاجها، وأعظم قطر في تلك الإمبراطورية الشاسعة التي أصبحت تسيطر عليها. ولقد كان قيام هذه الدولة القوية الشامخة في مصر مستهل عصرها الذهبي، ومفتتح تلك العظمة وذينك البهاء والبذخ التي نثرتها من حولها وطبعت بها حياة مصر العامة عصراً مديداً؛ وكانت مصر بخصبها ونعمائها وفيض مواردها أعظم دعامة في إقامة هذا الصرح الباذخ الفخم؛ فالعصر الفاطمي من أسطع عصور مصر الإسلامية إن لم يكن أسطعها جميعا؛ غير أن هذا العصر الذهبي الوهاج يبعث إلى كثير من التأمل، فبينا نراه وضاء واضحاً في بعض النواحي، إذ نراه في البعض الآخر مظلماً مغلقاً، وإذا هذه الخلافة القوية الساطعة يكتنفها كثير من الخفاء والغموض والريب، وإذا تتبدى لنا في هذا الصرح البراق ثغرات سود لا نستطيع أن نسبر غورها أو نظفر بقراراتها؛ ويشتد هذا الخفاء والغموض بالأخص كلما حاولنا أن نستعرض من هذا العصر نواحيه الدينية والمعنوية، فهنا تبدو من آن لآخر ظلمات يصعب استجلاؤها. على أننا سنحاول مع ذلك أن نستعرض من العصر الفاطمي فترة ربما كانت أشده خفاء وغموضاً، وربما كانت مع ذلك أدعى إلى الاهتمام والدرس، لما تعرضه لنا من حوادث وظرف وخواص مدهشة، ولما تسفر عنه أحياناً من الحقائق والأسرار الغريبةالتي تلقي شيئاً من الضياء على روح السياسة الفاطمية الدينية والمدنية، وعلى حقيقة وجهاتها وغاياتها

نريد بذلك عصر الحاكم بأمر الله أغرب وأغمض شخصية في تاريخ مصر الإسلامية

قدم المعز لدين الله (تميم أبو معد) إلى مصر بجيوشه وأمواله وعصبته في السابع من

<<  <  ج:
ص:  >  >>