مستغرقات في سبات عميق عند مدخل كهفهن السحيق. وفي وسطهن مديوسا العاتية. تغط غطيطاً مروعاً. فاستخار الآلهة، وامتشق جراز هرم ?، وتعوذ ثم تعوذ، ثم انقض كالصاعقة، فأهوى على عنق مديوسا بضربة قاتلة، انفصل بها الرأس عن سائر الجسد. وهنالك، علا فحيح الأفاعي الباسقة في رأس مديوسا، تدمدم في الكيس الجلدي الذي ألفاها برسيوس فيه، حتى لقد استيقظ أختاها، وانطلقتا مرتاعتين في إثر الفتى، تودان لو تمسكان به، فتعتصران عظامه اعتصاراً. . .
ولكن قلنسوة بلوتو تخفيه عنهما، وتحفظه من شرهما وبينما هو يطوي الضحاضح والبحار، وبينما هو منتش بخمرة انتصاره، مفكر في اللحظة التي يلقي فيها الملك ليريه رأس مديوسا، ويحظى لديه بثمرة فوزه، بينما هو كذاك، إذا به يلمح في إحدى الجزر زحاماً شديداً، وجماهير حاشدة، متكبكبة حول صخرة ناتئة، مشرفة على البحر، وقد تدلت منها فتاة بارعة الجمال، بادية الحسن، مغلولة العنق، مربوطة الأطراف بسلاسل وأصفاد من حديد صلب. ونظر فرأى تنيناً بحرياً هائلاً يطفو فوق الماء، ويقترب من الفتاة قليلاً قليلاً، وراعه أفزع الروع تلك الصرخة الهائلة التي صرختها الفتاة فرددت الغيران والكهوف ومشارف الجبال صداها
ماذا؟. . .
الفتاة مذعورة أيما ذعر، والناس من حولها ينظرون ولا يحركون ساكناً. . .
والتنين يقترب ويقترب. . .؛ ولم ينتظر برسيوس حتى يفترس الوحش تلك الفتاة المفزعة، بل استل جراز هرمز وانقض فوق ظهر التنين وأهوى على عنقه بضربات سريعة متلاحقة غاص بها في أحشائه، ولبثا يتصارعان ساعة من الزمان كانت كلها هولا، وكانت كلها فزعا، والناس ينظرون مشدوهين، زائغة أبصارهم، لا يصدقون ما يبصرون.
ثم انجلت المعركة عن جثة التنين الضخمة طافية فوق الماء، الذي تحول بدوره خضما من الدماء. وقفز برسيوس إلى الشاطئ، وذهب إلى الفتاة ففك أصفادها، وهدأ من روعها، وسأل الناس فقادوها إلى والدتها المسكينة المعذبة التي حبست نفسها في حجرة مظلمة، وانتظرت ثمة من ينعى إليها ابنتها
أما هذه الأم، فهي الغادة الأغريقية كاسيوبيا، المشهورة بجمالها، وحسن روائها، والتي كانت