أفتن حسان هيلاس في زمانها، ولقد امتلأت زهواً بما أضفت عليها الآلهة من قسامة، وما أسبغت عليها من وسامة، فزعمت، وهي تفاخر أترابها، أنها أجمل من عرائس البحار التي لا يدانيها في جمالها الباقي، جمال هذا البشر الفاني. فغضبت عرائس الماء، لهاذا الادعاء، وأقسمن ليعذبنان أهل الجزيرة التي فيها كاسيوبيا بهذا التنين المروع الذي شرع يغدو كل يوم إلى شواطئ الجزيرة، فيقتل ويلتهم عشرات من سكانها!
وذعر القوم، وحاروا في أمر هذا التنين، وذهبوا إلى الهيكل يقدمون قرابينهم للآلهة، ويستوحون كهنتها نبوءة تبعد عنهم شره، وتكفيهم أمره. ولقد أجيبت أدعيتهم، وتقبلت أضحيتهم؛ وأرهفت الأسماع، وشمل الهيكل هذا السكون المقدس الرهيب، وما هي إلا لحظة حتى انطلق صوت خفي من أعماق المذبح، يقول:(قدموا العذراء أندروميدا، ابنة الغانية كاسيوبيا؛ ضحية حلالاً لتنين البحر، جزاء غرورها وكبريائها
- ذلك إن أردتم أن يكف التنين عنكم شره، ولا يعاودكم أذاه!) وانكفأ القوم محزونين مروعين، لأنهم كانوا يحبون كاسيوبيا وابنتها، حباً هو العبادة. وحاروا كيف يتقدمون للأم بهذا النبأ العظيم؟!
وكان لا بد من النفاذ، لإنقاذ الجزيرة وجميع سكانها. . .
والآن، لقد أنقذ برسيوس أندروميدا الجميلة من براثن التنين، وشعر في سويدائه بعاطفة نورانية تجذبه إلى هذه الفتاة، وأحس كأن مستقبله مرتبط بمستقبلها برباط قدسي تباركه السماء وتحرسه العناية؛ فتقدم إلى والدتها يطلب إليها يد أندروميدا ووافقت الوالدة، وسعدت الفتاة بهذا البطل الشاب الذي أنقذ حياتها مرتين: مرة من هذا الوحش الضاري الذي تركه برسيوس جثة هامدة، ومرة ثانية من ذلك الشيخ الفاني الهرم الذي تقدم إليها يريدها زوجة له، وكادت أمها تقسر على الموافقة لما للشيخ في الجزيرة من صولة وجبروت، لولا المقادير التي تتابعت بعد ذلك
وأقيم مهرجان كبير، وزينات فخمة للاحتفال بالعروسين؛ فمدت الأخونة، وأعدت الأسمطة، وبدأت الموسيقى الإغريقية تعزف أشجى ألحانها، وأخذ الجميع في قصف حلو وسمر برئ وإنهم لفي كل ذلك إذا بالرجل الهرم الذي تقدم لخطبة أندروميدا من قبل، يقتحم الحفل هو وعصبة قوية من رجاله المسلحين، وإذا بالرجل يهتف بيرسيوس قائلاً: (برسيوس! لقد