اعتديت على مولى هذه الجزيرة اعتداء صارخاً بانتزاعك أندروميدا من يدي؛ وإنك إن لم تنزل عنها طواعية فسأكرهك على تركها قسراً، بعد أن تروي هذه السيوف من دمائك ودماء من يلوذ بك!. . . .) فحدجه برسيوس بنظرة ساخرة وقال:(من أنت أيها الرجل الذي يجسر على مخاطبتي بهذا الهراء؟ لقد أصبحت أندروميدا زوجي، وإن كانت من قبل خطيبتك؛ أنت من غير ريب تحلم. . . غير أني أسألك: أين وليت وجهك يوم اضطرت أمها المسكينة أن تنزل عنها قرباناً للتنين؟ لقد كان أولى بشجاعتك أنت ورجالك لو توليتم إنقاذها من الأفعوان البحري الذي أذلك وأذلهم. . . .) ومد يده إلى الكيس الذي كان به رأس مديوسا، فأخرجه وقال:(ولكن انظر إلى هذا قبل أن تقتلني.) وما كاد الرجل ينظر إلى عيني مديوسا، حتى تصلبت عضلاته، وتحجر جسمه، وظل مكانه كأنه تمثال! ودهش أصحابه لجموده، وظنوه قد سمر حيث هو، فلما لامسوه استطيرت ألبابهم، ولاذوا من الفزع بالفرار
وأخفى برسيوس رأس مديوسا، واستمر القوم في سمرهم كأن لم يحدث شيء. . . اللهم إلا هذا التمثال المنتصب في أول ردهة، والذي كان يهرف منذ لحظة، فاصبح عبرة الزمان، وضحكة الأيام! وحان يوم الرحيل، فخرج أهل الجزيرة يودعون الزوجين، وظلت كاسيوبيا تعانق برسيوس مرة، وإندروميدا مرة أخرى، والدموع فيما بين هذه وتلك، تنهمر على خديها انهماراً. . .
والناس ينظرون. . . . ويبكون
ثم حمل برسيوس عروسه، ومرق في الهواء كالسهم، والقوم من عجب يتصايحون ويهتفون
وكانت الرحلة هذه المرة، على شدتها وطولها، من أروح الرحلات إلى قلب برسيوس. وتستطيع أن تتصور القبل الحلوة تنطبع على هذين الثغرين الحبيبين، في ملكوت السماء، لتدرك أي سعادة شعرية، وأي هنيهات سحرية، فازا بها في لازورد الفضاء
وبلغ مدينة الملك بعد نأى طويل، وسنين عدة، فذهب أول ما ذهب إلى منزل أمه، وناهيك بما كان من عناق، وما تبودل من تحيات. وبكت داناي المسكينة وهي تهنئ ابنها بأندروميدا، ثم أخذت تقص، ملء أحزانها، وفي فيض أشجانها ما انتابها من سوء، وما لحقها من عسف، لأنها أبت أن تكون خليلة الملك المخاتل الجبار، الذي صب عليها جام