للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

منه فأبى استصغارا لشأنه أو رهبة من العواقب؛ ولكن برجوان كان ساهرا يرقبه ويتلمس الفرص لمناوأته وإسقاطه، ويدس له الدسائس، ويؤلب عليه زعماء الجند الناقمين عليه؛ فلم يمض عام حتى تفاقمت الصعاب والأحقاد من حوله؛ ووثب جماعة من الزعماء والجند بتحريض برجوان بالكتامين وأثخنوا فيهم، فتوارى ابن عمار، واضطر أن يترك الميدان حرا لمنافسه، عندئذ قبض برجوان على زمام الأمور، واستأثر بكل سلطة حقيقة داخل البلاط وخارجه، واختار لمعاونته كاتبا نصرانيا يدعى فهد ابن إبراهيم ولقبه بالرئيس، وفوض إليه النظر والتوقيع والمراجعة. ولزم برجوان الحاكم، يقيم معه بالقصر، ويسهر على توجيهه، ويستأثر لديه بكل صلة ونفوذ؛ واستبد بكل أمر في الدولة؛ واستقرت الأمور حينا

واستمر برجوان يتبوأ ذروة القوة والنفوذ زهاء عامين ونصف؛ وفي عهده وقعت عدة ثورات وقلاقل في الشام والمغرب، وحاول بعض الحكام والزعماء المحليين الخروج على حكومة القاهرة؛ فسير برجوان جيشا إلى الشام بقيادة جيش بن الصمصامة، فقاتل الثوار في عدة مواقع، وأخضعهم تباعا، واستعاد دمشق؛ واشتبك مع الروم (البيزنطيين) في عدة معارك في شمال الشام، وكانوا قد انتهزوا فرصة الاضطراب للإغارة على الثغور وتأييد الخوارج؛ فهزمهم وردهم إلى الشمال. وسير برجوان جيشا آخر إلى برقة حيث اضطرمت الثورة، فرد النظام إليها، واستعمل عليها يانسا الصقلبي. وكانت الدولة الفاطمية منذ نشأتها تعتمد على تأييد القبائل المغربية ذات البأس والعصبية؛ ويستأثر زعماؤها بمعظم مناصب القيادة والحكم والأدارة حتى عهد المعز لدين الله؛ ولكن ولده العزيز مال إلى اصطناع الموالي من الترك والصقالبة فقدمهم في القصر وفي الجيش، وبدأت المنافسة من ذلك الحين بينهم وبين الزعماء والمغاربة وكانت سياسة برجوان ترمي إلى تحطيم نفوذ الزعماء المغاربة، ونزعهم عن الولايات والثغور؛ وتوزيع السلطة على نفر من أصدقائه الصقلبيين يستطيع أن يعتمد على ولائهم وأن يسيرهم طبق أهوائه؛ فعين إلى جانب يانس، طائفة منهم لحكم الولايات والثغور، مثل ميسور الخادم والي طرابلس، ويمن الخادم والي غزة وعسقلان، وعين بالقصر عددا كبيرا منهم وجنح الروم بعد هزيمتهم إلى السلم، وعقدت بين بلاط القاهرة والإمبراطور بزيل الثاني قيصر قسطنطينية أواصر الصداقة والمهادنة

<<  <  ج:
ص:  >  >>