وفي ذات مساء بعث إليه الحاكم للركوب معه، وانتظره في إحدى حدائق القصر ومعه ريدان حامل المظلة، فوافاه برجوان هنالك؛ وبعد أن سلم سار الحاكم حتى خرج من باب الحديقة، فوثب ريدان عندئذ على برجوان فطعنه في عنقه بسكين، وانقضت عليه جماعة كانت قد أعدت للفتك به، فأثخنوه طعنا بالخنجر، واحترزوا رأسه، ودفنوه حيث قتل (ربيع الثاني سنة ٣٦٠ - ١٠٠٠م) ولما عاد الحاكم إلى القصر كان خبر مقتل برجوان قد ذاع على لسان خادمة عقيق، فاضطربت البطانة، وأشرف الحاكم عليهم ليرى الخبر؛ وصاح فيهم ريدان:(من كان في الطاعة فلينصرف إلى منزله ويبكر إلى القصر المعمور) فانصرف الناس منزعجين، وفي نفس المساء اتخذ الحاكم عدته لتوطيد الأمور، واستدعى الرئيس فهدا، وهدأ روعه وأقره في منصبه؛ وصودرت أموال برجوان وكانت عظيمة طائلة، واختفى أصدقاؤه من الميدان
وهكذا ظفر الحاكم لنحو أربعة أعوام فقط من ولايته بأن يطوي مرحلة الحداثة، وأن يستخلص السلطة لنفسه، وأن يبدأ عهد الحكم الحقيقي. وكان الحاكم يومئذ في نحو الخامسة عشرة من عمره، مضطرم النفس والأهواء، ولكن وافر الذكاء والجرأة والعزم. فبدأ بتعيين مدبر للدولة مكان برجوان، ووقع اختياره على الحسين بن جوهر الصقلي. وكان العزيز قد ولاه القيادة بعد وفاة أبيه جوهر، واصطفاه وأولاه ثقته وعطفه، فلما توفي العزيز قلد الحسين ديوان البريد والإنشاء؛ ولما قتل برجوان لم يكن بين رجال الدولة من هو أرفع منه مقاما وأجدر بتولي الشئون العامة؛ فاستدعاه الحاكم وخلع عليه، وقلده النظر في أمور الدولة والتوقيعات، ولقبه في سجل التعيين (بقائد القواد) وعكف الحسين على تدبير الشئون بمعاونة خليفته الرئيس فهد، وأمر أن تبلغ إليه المهام والظلامات في مكانه بالقصر وألا يقصد أحد داره، وألا يخاطب بغير لقبه الرسمي (القائد) دون تعظيم أو تفخيم، وألا يمنع أحد من مقابلة الحاكم أو الاتصال به؛ وغدا الحسين بن جوهر وصهره عبد العزيز بن محمد بن النعمان، الذي خلف أباه في منصب القضاء، أعظم رجلين في الدولة؛ واستمر الحسين يدبر الأمور مدى أعوام حتى تغير عليه الحاكم كما سيأتي
وتناول الحاكم إدارة الدولة العليا بيديه؛ ونظم له مجلسا ليليا يحضره أكابر الخاصة ورجال الدولة، وتبحث فيه الشئون العامة؛ وكانت هذه أول ظاهرة لهيام الحاكم بالليل والتجوال في