سمط جماعة في أيديهم السياط فلا يكاد أحدهم يرى رجلا قد استرخى في عمل حتى يهوي عليه بالسوط، فإذا به يقفز إلى الأمام وقد تشنجت عضلاته وأقبل على العمل عنيفا، وكان كل سمط من هذه السموط يجر بالحبل الذي اجتمع عليه حجرا ثقيلا من تلك الحجارة الضخمة التي نراها اليوم في بناء الهرم، فلا يزال السمط يجرر الحجر حتى يعلو به الجسر الدائر حول البناء ثم يصعد به جانب ذلك الجسر فيدور حوله صاعدا في دورانه حتى يبلغ أعلى البناء فيقربه إلى حافة البناء ويضعه حيث يطلب البناؤون وضعه. فإذا ما بلغ المساكين الذين يجررون الحجر أعلى البناء ووضعوا الحجر وهم يلهثون من التعب انطرحوا على الأرض إعياء يطلبون بعض الراحة ويستردون النفس المنبت، غير أنهم لا يكادون يلمسون الأرض بجنوبهم حتى تلحق بهم جماعة المراقبين فيهوون عليهم بالسياط يمزقون بها جلودهم. فيهب الأشقياء مرتاعين يتلوون من ألم الضرب يجررون أرجلهم بما استطاعوا من السرعة ويهبطون إلى أسفل البناء لكي يعيدوا الكرة فينقلوا حجرا جديدا لبناء هرم فرعون
والحق لقد آذاني ذلك المنظر وتفظعته من شدة قسوته، فهممت أن أضع المرآة حتى لا أرى بقيته، لولا أنني رأيت شيئا أخذ على انتباهي قسرا فلم أجد حيلة في الانصراف عنه أو الانفلات منه. وذلك أنني بصرت بسمط من هذه السموط البشرية قد علا جانب الجسر سائرا في خطاه الوئيدة يحرك حجرا جديدا نحو أعلى البناء، غير أنه ما توسط الجسر حتى هبط عليه حجر أفلت من سمط فوقه إذ تقطعت الأحبال التي كان أصحابه يجررونه بها فوقع الحجر متدحرجا فأصاب في طريقه ذلك السمط الصاعد فدك جماعة منه دكا وحطم أعضاء جماعة أخرى. فتفرق الناجون مرتاعين أيما ارتياع والموت الفظيع في أعينهم الحائرة المذعورة، وسمع صياحهم بعض إخوانهم فما هي إلا لحظة حتى اجتمع حول المكان ألوف من العمال مضطربين هلعين، وفيما هم في ذلك أقبل الرقباء وفي أيديهم السياط فأهووا عليهم من كل صوب لا يبالون أين يقع السوط منهم، ففر البعض إلى أسفل وتردد البعض قليلا، ثم مضوا إلى أسفل في شيء من التلكؤ، وعادوا إلى حجارتهم يزحزحونها شبرا فشبرا نحو أعلى الهرم فانجلى المنظر عن بقية ضئيلة واقفة حول مكان الكارثة وعن رجل قد ارتمى على أحد الضحايا يبكيه ويطيع فيه قلبا محبا