المهيض بهذه المزامير يلتمس فيها عزاء وتسلية. وسرعان ما أنتشر مذهب جديد أطلق عليه مذهب (الأرفزم) - نسبة إلى أرفيوس - وهو لون طريف من عبادة ديونيزوس يؤمن أتباعه بالثواب والعقاب في الدار الآخرة، وأس إيمانهم هو الاعتقاد بتجسد التثنية المركبة من الإلهين (ديونيزوس - زجريوس). وزجريوس هذا هو ابن زيوس من البتول (!) كوريه؛ وقد حدث أن التيتان قد حنقوا على زجريوس فقتلوه، فغيض أبوه (زيوس) وسلط عليهم الصواعق حتى أبادهم؛ وعاد فاستولده من إحدى بنات حواء (سيميليه) فعاش كما يعيش الناس؛ وإن يكن قد بلغ مرتبة الإلهة وهو بينهم، ثم رفعه أبوه إلى السماء، حيث صار فيها السيد الصمد، والإله الأوحد
ولقد ظل (ديونيزوس - زجريوس) صاحب الشأن الأعظم في الديانة اليونانية، وتنوسي رب الخمر باخوس، أو على الأقل، تضاءلت أهميته، لما كان يشاع عن عباده في تراقيا من الفضائح المخزية، والموبقات التي كانت تنخر كالسوس في أخلاق الشعب، وتصدع آدابه. ذلك أن كل فرد من عباد باخوس كان لزاما عليه كطقس من الطقوس هذه العبادة الخمرية، أن يستبيح عرض واحدة من عابداته، آلائي كن يطلق عليهن لقب (ميناد) فإذا كان الليل، وبدأت الحفلات الدينية، انطلقت الشهوات المكبوتة، وتدفق دم الدعارة حارا في عروق هؤلاء وهؤلاء، وراحوا يمارسون أحط ألوان البغاء باسم الشعائر الدينية؛ وكثيرا ما كان يعتدى على أعراض الحرائر، فلا يستطيع الزوج أو الأب أو الأخ دفع المنكر عن عرضه، لأن ذلك صميم شريعة باخوس!!
لهذا، اعتبرت شريعة ديونيزوس - زجريوس، منبع الطهر الروحي، والتهذيب الصوفي الجميل، وحافظت على مكانتها، كديانة عامة لليونان، منذ قبيل القرن السادس (ق. م) إلى ما بعد القرن الرابع. وكان لها قديسوها وعلماؤها، بل وأنبياؤها أيضا، إن صح أن نطلق هذه التسمية في تاريخ الديانة اليونانية؛ ولقد كانت الغالبية - حتى من العلماء والأدباء - تتناول أبحاثها في الأرفزم بكل تأدب واحتشام. وشذ أفلاطون وحده، عندما ثار ضد ما كانت تبيحه هذه الشريعة - أو قل هذا المذهب - من الغفران وقبول التوب، لمجرد طقوس تافهة يقوم بها أحد العصاة الآثمين
وكما يطلق العامة في العالم الإسلامي لقب (واصل) أو (صاحب سر) على من زكت نفسه،