وطابت سريرته؛ وصفا ما بينه وبين الله، من المسلمين؛ وكما يفعل مثل ذلك أخواتنا النصارى؛ وكما يذهب إلى هذا النحو ربيون من اليهود وأحبار، فكذلك كانت سنة اليونانيين؛ فكل من تعمق في عبادة ديونيزوس، واستبحر في تحصيل شريعته، وكان مع ذلك تام التقى، شامل الورع، ارتفع إلى طبقة باكيس كما يرتفع المخلصون من نساك الهند إلى مرتبة (مهاتما). ويبدو أن هذه تقاليد قديمة تغلغلت في المذاهب الحديثة التي نشأت في هيلاس بعد القرن السادس (ق. م). آية ذلك أن كل من كان يستبحر في عبادة باخوس يصبح باخس وكل من كان يخبت للإله (كيبيب) إله فرجيا، يصير كيبيبس وقد انتقلت هذه السنة إلى أتباع مذهب الأفرزم، فأصبح كل من حوارييه يحمل لقب أرفيوس. . .
وبمثل ما تدر إخلاف الرزق، السهل الميسر، على (واصل) المسلمين، وأحبار اليهود؛ فكذلك كانت القرابين والضحايا والزكوات تقدم بكثرة هائلة، ومن جميع طبقات الشعب، إلى الباكيس والباخس والكيبيبس والأرفيوس من رجال الكهنوت اليوناني. وكانت هذه الأعطيات والمنح، تقدم في مناسبات غربية، لا تختلف عما هو شائع بيننا اليوم. فهذا يريد الاستفسار عن حلم رآه، وذلك يطلب وصف دواء لعلة استعصت على نطس الأطباء، وثالث يطلب نبوءة عما تنتهي إليه شدة حلت به، إلى آخر هذه العلل والأسباب
وإلمامة عجل بأشعار ما قبل التاريخ، في الأدب اليوناني، تشعر بمدى ما كنت متأثرة به من شتى المذاهب الدينية، وصنوف العبادات الساذجة التي تفعم هذا الأدب القديم. وأثارة الأرفزم شديدة الوضوح في هذه الأشعار؛ وأشعار أرفيوس خاصة، تشبه عندنا أشعار عمر بن الفارض، وهي ترتيلات كان يرسلها الناظم إلى أربابه سلاما في سلام، اسمع إليه يتناجى:
(أدعوك يا هيكاتيه يا ربة الطرق
(يا حامية مفترق الشعاب
(يا باعثة الأمن من ديجور الظلام
(أيتها المسيطرة على السموات والأرضين والبحار
(يا مؤنسة الموتى في قبورهم، مياسة في الوشائح المعصفرة