هنا أحست بالشبع، فأخذت تلهو وتمرح، تروح وتغدو، تثب في الهواء وتجري على الارض، تقفز من فوق السيول فتبلل صوفها بالماء، ثم تتمدد على صخرة في الشمس لتجففه، حتى أعادت للجبل سالف حياته، وبعثت فيه نشوة الفرح والحبور! وكان يخيل للناظر أن في الجبل عشر عنزات للمسيو سيغان لا عنزة واحدة.
وبينا هي على قمة الجبل ممسكة بين أسنانها زهرة جميلة أبصرت في الوادي منزل المسيو سيغان والحظيرة التي بقربه، فقهقهت ضاحكة وقالت:
- ما أصغر هذا المسكن! كيف صبرت على بقائي فيه؟ ورأت نفسها على قمة عالية فحسبت أنها أصبحت تملك الكون بأسره. . .
والخلاصة يا صديقي أن يومها كان سعيدا جداً.
ومما هو جدير بالذكر أن بلانكيت التقت في طريقها عند الظهر بقطيع من الوعل يقضم بأسنانه أشجار الكرم. فأحبت أن تشاركه في طعامه ففسحوا لها المجال بأدب. ويظهر أن هناك وعلاً وقع من قلب العنزة موقعاً حسنا، فاختفت وإياه في الغاب مدة ساعة أو ساعتين. فإذا أردت أن تقف على حقيقة ما جرى بينهما فاذهب وسل عيون الماء المتفجرة، المنسابة بين الأعشاب المخضوضرة.
وفجأة برد الطقس، وأخذ الليل يرخي سدوله على الجبل. فقالت العنزة:
- عجباً! كيف يمضي النهار بسرعة؟
وكان السهل قد اختفى عن ناظريها في الظلام، ولم تعد ترى من منزل المسيو سيغان إلا سقفه الأحمر وقليلا من الدخان المتصاعد منه. ولما أخذت تصغي إلى صوت قطيع من الغنم عائد إلى حضيرته أحست في أعماق نفسها بوخز الضمير فتألمت. ومر إذ ذاك طائر ليبيت في وكره فكاد يلمسها بطرف جناحه. في هذه اللحظة سمعت في سفح الجبل صوتا يدعوها إليه (وكان ذلك صوت المسيو سيغان ينبعث من بوقه) فتذكرت الذئب وأخذت تفكر فيه بعد أن أنساها فرح النهار وجوده.
ثم سمعت صوت الذئب يتجاوب صداه في الأرجاء. فوطدت العزم على النجاة من مخالبه بإجابة المسيو سيغان. ولكنها تذكرت الحبل والوتد فشق عليها أن تعود إلى سالف حياتها وفضلت البقاء.