لا نجده يذكر مرة أن هذه المكروبات قتالة. لم يرد أن يعمل في هذا خياله، ولو أن عبقريته كانت دائما توسوس له أن هذه الحيوانات العجيبة في هذه الدنيا الجديدة الغريبة لابد من علاقة بينها وبين أخواتها الحيوانات الكبيرة من بني الإنسان
وفي أوائل عام ١٧٩٩، بينما نابليون يقوم لتحطيم الدنيا العتيقة البالية، وبينما بيتهوفن يقرع باب القرن التاسع عشر بأولى سمفونياته الهائلة - روحان كبيران ثائران يصدران عن روح العصر الثائر الذي أولده اسبلنزاني وأقرانه، وينطقان عن هذا الزمان بلسانه، ذاك بمدافعه المتجاوبة، وهذا بموسيقاه الصاخبة - أقول في أوائل عام ١٧٩٩ أصاب الصرع صاحبنا الكبير صياد المكروب
- ٧ -
وفي أوائل عام ١٧٩٩، بينا نابليون يقوم لتحطيم الدنيا العتيقة البالية، وبينا بيتهوفن يقرع باب القرن التاسع عشر بأولى سنفوناته الهائلة - روحان كبيران ثائران يصدران عن روح العصر الثائر الذي أولده اسبلنزاني وأقرانه، وينطقان عن هذا الزمان بلسانه، ذاك من مدافع المتجاوبة، وهذا بموسيقاه الصاخبة - أقول في أوائل عام ١٧٩٩ أصاب الصرع صحبنا الكبير صياد المكروب
ولم تمض على أصابته ثلاثة أيام حتى كنت ترى هذا الرجل العجيب الهازئ بالموت يخرج رأسه الذي لا يهدأ من بين أغطية سريره ينشد قصائد (هومير) ويغني بشعر (تاسو) ليضحك أصدقاءه الذين جاءوا ليشهدوا احتضاره. وما كان هذا منه رغم إنكاره إلا صياح الديك الذبيح. وما كانت تلك الأناشيد إلا للموت، وتلك الأغاني إلا للفناء، فأنه مات بعدها بأيام قلائل
مات العظماء من ملوك مصر فحفظوا أسماءهم لذراريهم بما خلفوا من مومياء فخمة حفظها رجال الجنائز بكل نادر غال من الحنوط. وذهب الإغريق والرومان ولكنهم خلدوا سحنهم، وسجلوا أشباههم في الحجر، في تماثيل يحفها المجد، ويلفها الوقار. وقضى كثير من عظماء القرون نحبهم، وبليت أجسامهم، ولكن بقي منها صور مرقومة بالزيت على القماش تكاد تجري فيها الحياة. ومات اسبلنزاني فماذا خلف للناس؟
إن أردت أن تعرف ماذا خلف فاذهب إلى (بافيا)، فستجد له بها تمثالا نصفيا متواضعا.