(دفنيه) متجردة من ثيابها، جالسة كالقطاة على عدوة الجدول، تداعب الماء بقدميها الحبيبتين، وتظللها صفصافة ممتدة الفيء وارفة، والأطيار من فوقها تغني لها. فقال كيوبيد، متحدثا إلى نفسه:(فرصة نادرة لن أفلتها. . هذه (دفنيه) الجميلة تستنقع من القيظ، وهي وسيمة قسيمة، بارعة الحسن، تامة المفاتن؛ لابد أن أسدد سهما رصاصيا إلى قلبها الصغير فيمتلئ كراهية وبغضاء. . . ويحسن ألا أشعرها بوجودي حتى أصمي قلبها. . . فلأختبئ هنا. . .)
وتوارى خلف دوحة كبيرة، وثبت السهم الرصاصي في مكانه من القوس، ثم أطلقه في قلب دفنيه؛ وما كاد يفعل حتى انخلع قلب الفتاة من الذعر، وأسلمت ساقيها للريح تعدو بين الأيك، صارخة من ذلك الثلج الذي ذهب بحرارة فؤادها
وقصد كيوبيد إلى حيث أبوللو، وكان قريبا من دفنيه، فسدد إلى قلبه السهم الذهبي فأصماه. وتلفت أبوللو ينظر ماذا أصابه، وحدث ان كانت دفنيه منطلقة تعدو إذ ذاك، فلمحها، وسرعان ما جن بها جنونا. لقد ملأه سهم كيوبيد حبا، كما ملأ سهمه الرصاصي دفنيه بغضا. . .
لقد كانت دفنيه أول من وقع عليه نظر أبوللو بعد إذ ملأه سهم كيوبيد حبا، فهام بها، وشعر نحوها بهوى ممض وبرح قديم، كأنه برح آلاف من السنين؛ وكذلك كان أبوللو أول من وقع نظر دفنيه عليه بعد إذ أفعمها سهم كيوبيد كراهية، فأبغضته، وشعرت بسم تنفثه عيناه في قلبها حينما رأته
أفلح كيوبيد إذن في الفتك بأبوللو، حين أوقعه في أحبولة الهوى؛ ورداه في شرك الغرام، بهذه الفتاة الكارهة المحنقة، دفنيه! أفلح كيوبيد، وتبع أبوللو يرى إليه يتذلل ويتضرع. . . ويبكي كما يبكي الآدميون. . وهو سيد الشمس، ورب الموسيقى، وقانص الأفعوانات كما دل على كيوبيد وافتخر!
انتصر كيوبيد إله الحب، صاحب القوس الذهبية، كيوبيد الطفل، ذو الجناحين، على أبوللو سيد الشمس، صاحب القوس والوتر العرد!!
إن الحرب لم تبدأ، حين بدأت، بين أبوللو بن لاتونا، وكيوبيد بن أفروديت، بل هي بدأت بين البغضاء والحب، والقلى. . . والهوى!