والأذى في الله ما لا يصيبني - لنقصٌ كبير في نفسي! إنه والله الفرارُ من الأجر والمثوبة، وإن لهم عند الله لمنزلة هيهات أن يعزيني عن فقدها أنني في سلامة الأذى. بل إنه الفرار من حمل أثقال حمل الإيمان، وإنه لأرْوَح لقلبي أن ألقي ما يلقى إخواني في الله، فأني لأوشك أن يغلظ قلبي فما آمن على نفسي من أوضار الشرك!
يا نفسي، ما برهانك على أنك مؤمنة إذا لم تحملي أثقال الحياة راضية؟
ما دليلك على أنك قاسيت في سبيل دينك وإنك لتفرين فرار المتمسك بدنياه؟
ماذا قدمت - يا نفس - لله من حظك وراحتك فيكون لك في الآخرة أن تدعي وتستطيلي؟
ألا إن الإيمان هو أن ينالك ما نال المؤمنين، وإن عذاب الناس لهو ثواب الله، وما يصدق الخبر عن بسالة الجندي إلا أن تشهد له جراحه، وما أنا رجلاً إن لم أكن الآن رجلاً. . .!
ومشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: (يا أبا عبد شمس، وَفَتْ ذمتك، وقد رددت إليك جوارك!)
قال الوليد: (يا ابن أخي، لعله آذاك أحد قومي. .؟)
قال عثمان: (لا، ولكني أرضى بجوار الله ولا أريد أن أستجير بغيره. .!)
قال الوليد: (فانطلق بنا إلى المسجد فاردد علي جواري علانيةً كما أجرتك علانية)
فانطلقنا حتى أتيا المسجد، فقال الوليد: (هذا عثمان قد جاء يرد على جواري)
وقال عثمان: (صدق، قد وجدته وفيا كريم الجوار، ولكني قد أحببن ألا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره!)
ثم افترقا. وجلس عثمان يستمع إلى إنشاد (لبيد بين ربيعة) في مجلس من قريش، فقال لبيد: (ألا كل شيءً ما خلا الله باطل)
قال عثمان: (صدقت!)
قال: (وكل نعيم لا محالة زائل!)
قال عثمان: (كذبت. . .!)
وأعاد لبيد، وعاد عثمان يقول: (كذبت؛ نعيم الجنة لا يزول أبداً)
فغضب لبيد وقال: (يا معشر قريش، والله ما كان يؤذي جليسكم؛ فمتى حدث هذا فيكم؟)
قال رجل من القوم: (إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا؛ فلا تجد في نفسك من