وليس خفياً أن العمارة كانت أجل الفنون عند العرب فبلغوا فيها شأواً بعيداً، وأخذوا من الأمم التي اختلطوا بها ما أخذوا، وابتدعوا أساليب جديدة غاية في الجودة والإبداع، ثم أخذت عنهم أوروبا كثيراً من هذه الأساليب. ولكن العلماء ليسوا على اتفاق في هذا الرأي، فبعضهم يرى أن العرب لم تكن لهم عمارة خاصة، وإن صح أن هناك أوجه شبه بين طرزهم المعمارية وبين الطرز الأوربية فإنما ذلك لأن مصدر هذه الطرز كلها واحد. ومهما يكن من شيء فإننا نفضل ألا نعرض للعمارة في هذا المقال مكتفين بالتحدث عن الفنون الفرعية أو المنقولة كما اصطلح بعضهم على تسميتها.
ولسنا نذهب إلى أن المسلمين وصلوا في هذه الفنون الفرعية إلى ما وصل إليه الغربيون. ولكنا لا نشك في أنهم تفوقوا في بعضها تفوقاً خاصاً وبلغوا في صناعة الزخارف مبلغاً يشهد بعبقرية نادرة وخيال واسع.
ولما كان تصوير المخلوقات مكروهاً في الإسلام، فقد أصبح عماد الزخارف الإسلامية الأشكال الهندسية والرسوم النباتية مضافاً إليها عامل جديد هو حروف الكتابة بالخط الكوفي أو بالخط النسخي أو بغيره من الخطوط، ونحن نعلم كيف اهتم المسلمون وخاصة الفرس بتحسين الخطوط وزخرفتها؛ وقد فطن إلى ذلك صناع الغرب، فأخذوا أحياناً يقلدون الكتابة العربية على مصنوعاتهم، ومن أمثلة ذلك صليب أيرلندي من البرونز المذهب يرجع عهده إلى القرن التاسع، وهو محفوظ الآن بالمتحف البريطاني وعليه بالخط الكوفي (بسم الله)، وفي المتحف البريطاني أيضا عملة ذهبية ضربها الملك حكم مرسية من سنة ٧٥٧ إلى ٧٩٦، وهذه العملة نقلها الملك المذكور عن دينار عربي ضرب سنة ٧٧٤ فنقل فيما قلده التاريخ الهجري والعبارة العربية المكتوبة عليه، ولا نشك أنه في الحالتين لم يفقه العمال الغربيون معنى الكتابة العربية، فنقلوها كزخارف فحسب، وقلدهم في ذلك كثيرون من بعدهم.
وقد كان للخزف الإسلامي أثر كبير في تطور صناعة الخزف في أوربا، وقد كان الغربيون ينسبون اللونين الأزرق والأبيض الصيني في هذه الصناعة إلى بلاد الشرق الأقصى، ولكن الحقيقة أن الصينيين كانوا يسمون هذا اللون الأزرق بالأزرق الإسلامي، لأنهم أخذوه عن إيران الإسلامية في القرن الخامس عشر.