للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هيئت للفتك به، فقتلوه وحملوا رأسه إلى الحاكم (شوال سنة ٣٩٠) ولم تكن للجريمة بواعث ظاهرة، ولكنا نستطيع أن نعللها برغبة الحاكم في سحق الزعماء ذوي البأس والعصبية، وهي رغبة يدلل عليها كما سنرى في مواطن كثيرة؛ وكانت كتامة أقوى القبائل المغربية كما قدمنا، وكان ابن عمار أقوى زعماء الدولة. ولكن سنرى من جهة أخرى أن الحاكم يسرف في القتل، فيقتل وزراءه وغلمانه تباعا، دون حكمة ظاهرة إلى ما كان من نزعة مؤقتة أو سخط فجائي

وفي سنة ٣٩٣هـ قتل الحكم وزيره فهد بن إبراهيم بعد أن قضى في منصبه زهاء ستة أعوام، وأقام مكانه علي بن عمر العداس، ولكن لم تمض أشهر قلائل حتى سخط عليه وقتله، وقتل معه الخادم زيدان الصقلي حامل المظلة، ثم قتل عددا كبيرا من الغلمان والخاصة (سنة ٣٩٤)، ثم تبع ذلك بمقتلة أخرى كان من ضحاياها الحسين بن النعمان الذي شغل منصب القضاء منذ سنة ٨٩، وعدد كبير من الخاصة والعامة، قتلوا أو أحرقوا؛ وقتل جماعة من الأعيان صبرا؛ ولم يك ريب في أن هذه المذابح المتوالية كانت عنوان نزعة خطيرة إلى البطش والفتك واحتقار الحياة البشرية؛ وكان أشد الناس تعرضا لهذه النزعات الخطرة، أقرب الناس إلى الحاكم من الوزراء والكتاب والغلمان والخاصة، ولم يك الكافة أيضا بمنجاة منها، فكثيرا ما عرضوا للقتل الذريع لأقل الريب والذنوب، أو لاتهامهم بمخالفة المراسيم والأحكام الغربية الصارمة التي توالى صدورها في تلك الفترة. وكان رجال الدولة ورجال القصر وسائر العمال والمتصرفين يرتجفون رعبا وروعا أمام هذه الفورات الدموية؛ وكان المجتمع القاهري، ولا سيما التجار وأرباب المصالح والمعاملات يشاطرونهم ذلك الروع؛ ويروي لنا المسبحي صديق الحاكم ومؤرخه فيما بعد، أن الحاكم أمر في سنة ٣٩٥ بعمل شولة كبيرة مما يلي الجبل ملئت بالسنط والبوص والحلفا، فارتاع الناس وظن كل من له صلة بخدمة الحاكم من رجال القصر أو الدواوين أنها أعدت لإعدامهم، وسرت في ذلك إشاعات مخيفة، فاجتمع سائر الكتاب وأصحاب الدواوين والمتصرفين من المسلمين والنصارى في أحد ميادين القاهرة، ولم يزالوا يقبلون الأرض حتى وصلوا إلى القصر، فوقفوا على بابه يضجون ويتضرعون، ويسألون العفو عنهم؛ ثم دخلوا القصر، ورفعوا إلى أمير المؤمنين عن يد قائد القواد الحسين بن جوهر رقعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>