يلتمسون فيها العفو والأمان فأجابهم الحاكم على لسان الحسين إلى ما طلبوا؛ وأمروا بالانصراف والبكور لتلقي سجل العفو. واشتد الذعر بالغلمان والخاصة على اختلاف طوائفهم، فضجوا واستغاثوا وطلبوا العفو والأمان فأجيبوا إلى ما طلبوا؛ وتبعهم في الاستغاثة التجار وأرباب المهن والحرف؛ وتوالى صدور الأمانات لمختلف الطوائف؛ وقد أورد لنا المسبحي صورة أحد هذه الأمانات ونصها:(هذا كتاب من عبد الله ووليه المنصور أبي علي الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين لأهل مسجد عبد الله: إنكم من الآمنين بأمان الله الملك الحق المبين، وأمان جدنا محمد خاتم النبيين، وأبينا على خير الوصيين، وآبائنا الذرية النبوية المهديين صلى الله على الرسول ووصيه وعليهم أجمعين؛ وأمان أمير المؤمنين على النفس والحال والدم والمال، لا خوف عليكم ولا تمد يد بسوء إليكم، إلا في حد يقام بواجبه، وحق يؤخذ بمستوجبه فيوثق بذلك، وليعول عليه إن شاء الله تعالى؛ وكتب في جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وثلثمائة. . . الخ)
وهكذا هبت على المجتمع القاهري ريح من الرهبة والخشوع، وأصبح اسم هذا الخليفة الفتى الذي لم يجاوز يومئذ العشرين من عمره، وأصبحت نزعاته وتصرفاته مثار الرعب والروع. ولم يك ثمة ريب في أن القتل كان في نظر الحاكم خطة مقررة، ولم يكن فورة أهواء فقط؛ وقد لزم الحاكم هذه الخطة الدموية طول حياته؛ ووقعت في الأعوام التالية حوادث ومناظر من القتل الذريع لا نهاية لها، وكانت تقترن أحيانا بضروب مروعة من القسوة، وقلما كان يغادر وزير أو كبير من كبراء الدولة إلا مسفوك الدم، وفي الأحوال النادرة التي كان ينجو المعزول فيها بحياته، كانت تلازمه نقمة الحاكم حتى يهلك. ففي شعبان سنة ٣٩٨هـ عزل قائد القواد الحسين بن جوهر، وعين مكانه صالح بن علي الروذبادي ولقب بثقة ثقات السيف والقلم؛ وبعد أسابيع قلائل أمر الحاكم الحسين وصهره قاضي القضاة عبد العزيز ابن النعمان بلزوم دارهما؛ ثم أمر بالقبض عليهما، ففر الحسين وقبض على عبد العزيز؛ واضطربت القاهرة لمكانة الحسين، ثم عفا عنهما وأعيد عبد العزيز إلى منصبه، ولكنهما لم يطمئنا إلى هذا العفو المريب، ففرا بأسرتيهما، فأمر الحاكم بمصادرة أموالهما، وسير الخيل في طلبهما، وأنفذ إليهما كتب الأمان؛ فعادا إلى القاهرة بعد أن استوثقا من الخليفة بالأمان والعفو، واستمرا يركبان إلى القصر مدى حين؛ وفي ذات