بعض المذاهب، أو أبرهن على ما يبرهن منها، أو أن أقتضب هيئة الأفلاك، ولا أن أخبر بعددها إذ الكتب المؤلفة في جميع ذلك كافية، وإن لم تكن كافية في غرض من الأغراض فليس الذي أقوله أنا في ذلك الغرض أحسن من كل ما قيل، وإنما كان الغرض بهذه المقالة أن أبين مشكلة الشريعة وأظهر حقائق.
ويقع الكتاب في ثلاثة أجزاء، يشتمل كل جزء على فصول أو موضوعات، وعلى كبر حجم الكتاب وتنوع موضوعاته فإن ما ورد فيه من النظريات يتدرج تدرجا منطقيا محكما من قضية إلى أخرى، فكأن جميعها سلسلة واحدة مرتبطة ارتباطا وثيقا
والهدف الأسمى الذي يرمي إليه موسى بن ميمون هو أن يلقى أشعة من أنوار الفلسفة والمنطق والعقل على الأيمان والشعور (العقل الفائض علينا هو الصلة بيننا وبين الله تعالى. . .)
وهو يقصد التوفيق بين الدين والفلسفة (الحكمة المقولة بإطلاق في كل موضوع هي إدراكه تعالى)، كما يقصد التوفيق بين موسى كليم الله وأرسطاطاليس شيخ الفلاسفة حتى ينظر العالم إلى الدين عن طريق الفلسفة، وحتى يطلب الحق والعرفان لا في أفق الدين وحده، بل في ميدان العقل والمنطق أيضا، وقد رفع بذلك الفلسفة والفلاسفة إلى مصف واحد مع الدين وكبار مفكري الدين
ويبحث الجزء الأول من دلائل الحائرين في ماهية الله وكيفية إدراكه وتوحيده، كما يدخلنا في الكتاب المقدس عن طريق الفلسفة والمنطق، ويفتح الكتاب بمحاربة عنيفة كل ما يقصد من الأوصاف المادية المنسوبة لله، فيشرح الآية (نصنع إنسانا على صورتنا وشبهنا) إن الناس قد ظنوا أن لفظ صورة في اللسان العبري يدل على شكل الشيء وتخطيطه فيؤدي ذلك إلى التجسيم المحض، ورأوا أنهم أن فارقوا هذا الاعتقاد كذبوا النص. . . وأما صورة فتقع على الصورة الطبيعية، أعني على المعنى الذي يجوهر الشيء بما هو حقيقته من حيث هو ذلك الموجود المعنوي، هو الذي عنه يكون الإدراك الإنساني. . . فيكون المراد من الصورة النوعية التي هي الإدراك العقلي لا الشكل والتخطيط. . .
وإدراك الإله عنده على الطريقة السلبية لا الإيجابية، فإنه يقول: (اعلم أن وصف الله عز وجل بالسوالب هو الوصف الصحيح الذي لا يلحقه شيء من التسامح، ولا فيه نقص من