السكر فيستحيل كحولا، ولم يكن في الدنيا كلها كيمياوي يعرف عن ذلك شيئا. عاد إلى معمله، وأخذ يحك رأسه وهو يفكر، ثم استقر رأيه على أن يمتحن ما اغترفه من الأحواض السليمة أولا، فوضع قطرة منه تحت مجهره، ولعله كان يحسب أنه سيرى بلورات كتلك التي طال تحديقه أليها زمانا مضى، ولكنه وجد هذه القطرة مليئة بكريات أصغر كثيرا من أية بلورة رآها. وكانت هذه الكريات صفراء، وازدحم جوفها بجسيمات كثيرة ترقص كأنما عن طرب، وتمتم لنفسه:(ليت شعري ما هذه الكريات!)
وأسعفته الذاكرة فصاح ثانية لنفسه:(يا للنسيان! بالطبع هي الخمائر التي تجدها دائما في كل محلول به سكر يختمر ليصير كحولا) وأعاد النظر فأبصر هذه الكريات فرادى، وأبصر طائفة أخرى منها متعنقدة، وأبصر أخرى متقاطرة. ثم حدق فدهش لرؤية بعضها قد تنبتت جوانبه كما تنبت البذور الصغيرة، فقال:(لقد صدق كنيارد، فهذه الخمائر حية. ولا بد أنها هي التي تصير السكر كحولا. ولكن ما فائدة بيجو من هذا! وما الذي أصاب الأحواض المريضة فتعطلت؟) واختطف القارورة التي بها ما كان اغترفه من حوض مريض، وحدق فيه بمنظار مكبر، وشمه، وذاقه، وغمس فيه ورقة زرقاء فاحمرت. . . ثم وضع قطرة منه تحت مكرسكوبه ونظر فيها
(عجبا! أين ذهبت الخمائر، فليس في هذه القطرة منها شيء؟ ما هذا؟ ما معناه؟)
وتناول القارورة مرة أخرى، وأخذ ينظر ويفكر، ولا ترى عينه فيها جديدا. وبينا هو يركب في التعليل الخيال، ويسوم ذهنه طلب المحال، إذا بالسائل في القارورة يتراءى له في صورة جديدة تبعث فيه أملا جديدا. (ماذا أرى؟ بقعا صغيرة دكناء لاصقة بجدار القارورة. وهذه بقع أخرى مثلها تطفو على سطح سائلها المريض - إذن صبرا!. . . لا. إنها لا توجد في القارورة ذات السائل الصحيح حيث الخمائر والكحول) ثم غاص في القارورة المريضة، وبشيء من العناء استطاع أن يخرج شيئا من تلك البقع فوضعها في ماء نقي، ثم علاه بمجهره هذا يوم (بستور) جاء أخيرا!
لم يجد في هذا السائل كريات الخمائر. لا، ولكنه وجد شيئا جديدا، لم يره من قبل، أحياء صغيرة كثيرة شديدة الزحام، شكلها كالعصي، بعضها قائم وحده، وبعضها متقاطر كالأبل، وكلها يرقص في ارتعاد غريب لا هدأة له. كانت الخمائر في عينه صغيرة فجاءت هذه