تصاغرها فتصغرها كثيرا، فلم يعد طولها جزءا من ألف من المليمتر
وفي هذه الليلة أرق (بستور) طويلا، وتقلب في مضجعه طويلا. وفي الصباح كنت تراه يجرجر ساقيه الغليظتين القصيرتين إلى مصنع (بيجو)، وبنظارته المنحرفة على بصره القصير، مال على حافة حوض مريض لم يكن أتاه من قبل، وجرف من قاعه بعض الذي فيه. ثم مال على أحواض مريضة غيره. ونسي (بيجو)، ونسي أنه إنما بدأ هذا العمل لمعونة (بيجو). اختفى (بيجو) من فكره، واختفى كل شيء في الوجود إلا نفسه الشمامة البحاثة، وإلا تلك العصي الراقصة الغريبة التي وجد الآلاف المؤلفة منها في تلك البقع الكدماء الصغيرة. . .
ولما جاء الليل أخذت زوجه تنتظره لينام، فلما يأست ذهبت إلى الفراش وحدها، وتركته ينصب الجهاز تلو الجهاز حتى ازدحم معمله بها. ووجد أن جميع السوائل بالأحواض المريضة تحتوي حامضا عرف أنه حامض اللبن، وأنه ليس بها كحول. ولم يلبث أن خطر له خاطر غمر فكره كله، وملأ رأسه أجمع:(إن هذه العصي بالسوائل المرضة حية، وهي هي التي تصنع حامض اللبن؛ وهي ربما تشتجر مع الخمائر في قتال شديد فتقضي عليها فلا تنتج كحولا. إن هذه العصي تصنع حامض اللبن كما تصنع هذه الخمائر الكحول). وهرول إلى السلم، فصعد إلى مدام (بستور) يخبرها بالذي وجد - مدام (بستور) التي لم تعرف من التخمر والخمائر شيئا، مدام (بستور) التي لم تفهم من علمه إلا قليلا، إلا أنها فهمت نفسه المتحمسة وروحه الوثابة، فأعانته بعطفها وحبها كثيرا
بالطبع لم يكن الذي ارتآه إلا ظنا، ولكن قام في نفسه شيء يوسوس له أن هذا الظن حق لامرية فيه. لقد تظنن (بستور) مئات المرات فيما وقع عليه بصره القصير من مئات الظواهر في الطبيعة التي حوله. وكانت ظنونا خاطئة. ولكنه إذ وقع هذه المرة على ظن صادق، إذ خال أنه أصاب تفسيرا لظاهرة التخمر التي أشكلت على القرون من قبله، أخذ يمتحن هذا الظن، ويفحص هذا الخال، ويقلبه، ويداوره، ويتقرى الحقيقة فيه حتى وصل إلى كنهها
وبينما ازدحمت في رأسه الخطط الكثيرة لتقري كنه هذه الحقيقة لم يفته أن يعين أرباب العمل على مصاعبهم، ولا أهل الحكم إذا دهوه إلى نصيحة، ولا المزارعين إذا جاءوه، ولا