حتى وصلوا بها في سجع كهانهم إلى آخر حدودها، فكان لهم فيه سجع متكلف مرذول، لا يقل قبحا في تكلفه عن السجع الذي تكلف بعد الإسلام في آخر العصر العباسي، إلى أن ظهرت هذه النهضة الحاضرة
ثم جاء المتأخرون من شعراء هذا العصر، فزادوا الطين بلة، واتخذوا الشعر تجارة، وتكسبوا به في المدح والهجاء، وداروا به في تلك المعاني لا يكادون يتجاوزونها، أو يحسنون شيئا سواها، فساء أثر هذا الشعر في الأمة العربية، وصار شعراؤه معاول هدم في بنائها، وقد جمدوا على ما ألفوه من هذا جمود أمتهم على أوثانها وأصنامها
وفي وسط هذا الجمود الأدبي، وذلك الضيق الفكري، ظهر الإسلام يدعوا العرب إلى دين جديد يأخذ بهم من عزلتهم، في هذا الضيق وذلك الجمود، إلى معترك الحياة التي تتلاقى فيه الشعوب، وتجتمع متنافسة في وسائل الرقي والنهوض، فحاربه أولئك الشعراء وحاربهم، لأنهم رأوا فيه خطرا على ما جمدوا عليه في صناعتهم، ورآهم هو من الجمود وضيق الفكر بحيث لا يصلحون ولا يتفق شعرهم مع دعوة هذا الدين الجديد، ورأى أنه لا يتفق معه إلا أدب مثقف يعنى فيه بالمعاني الأصيلة السامية، أكثر مما يعنى بتلك الصناعة التي تضيع فيها تلك المعاني، ويتلاعب فيها بما يسمونه المعاني الثانوية التي لا يصح أن تؤثر في حال من الأحوال على المعاني الأصيلة، ولا شك أنه كلما أوغل الشعر والأدب في إيثار تلك الصناعة بعدا عن هذه الغاية السامية التي يراد لهما فيها أن يتفقا مع هذا الدين، فيكونا للبشر كافة، لا للعرب خاصة، ولا تقف تلك الصناعة حائلا دون فهم الناس لهما، أو العناية فيهما بما يعنيهم منهما
فإذا أردت أن تعرف نظر الإسلام إلى ما كان عليه الشعر والأدب العربي من هذا كله إبان ظهوره، فانظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال له بعضهم يتشادق في كلامه تشادقهم:(يا رسول الله، أرأيت من لا شرب ولا أكل، ولا صاح فاستهل، أليس مثل ذلك بطل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم منكرا لهذا منه: أسجع كسجع الجاهلية؟) وانظر إليه صلى الله عليه وسلم يفتخر بنشأته على بغض هذا الشعر فيقول: (لما نشأت بغضت إلي الأوثان وبغض إلي الشعر ول أهم بشيء مما كانت الجاهلية تفعله. الحديث). وانظر إلى قوله تعالى:(وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين)، وقوله أيضا