في سورة الشعراء:(والشعراء يتبعه الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)
وقد انقضى عهد النبوة وعهد الخلافة في محاولة إصلاح الأدب العربي، والوصول بالشعر إلى تلك الغاية النبيلة. ثم جاء بعد هذين العهدين عهد بني مروان، وهم من بني أمية الذين كانت تغلب عليهم النعرة العربية، لما كان لهم قبل الإسلام من الزعامة في قريش، وهذه النعرة هي التي وقفت بهم على رأس المناوئين للدعوة التي أتى بها الإسلام، حتى أنهم لم يسلموا إلا بعد فتح مكة والسيف مصلت على رؤوسهم، وهي التي تأثروا بها في سياستهم حينما آل أمر المسلمين إليهم، فرجعوا بالشعر إلى نعرته العربية، وحولوه عن وجهته الإنسانية التي أخذ يسير عليها في عهد النبي وخلفائه الراشدين
فوقف لهم بنوا عمهم من بني هاشم، قوم النبي وعشيرته الأقربين، وهم الذين كانوا أول من بادر إلى الإيمان بدعوته، وفهموا حقيقة ما يدعوا إليه، وعرفوا أن هذا الدين للبشر عامة، لا للعرب خاصة، وأنه لا يصح أن يكون فيه فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)
وعلى هذا قامت الدعوة العباسية الهاشمية، فنشأت دولة إسلامية محضة، وكانت للعرب كما كانت للفرس وللقبط وللبربر وللترك ولغيرهم من الشعوب التي دانت للإسلام، وقليل من الناس من يفهم كما نفهم كيف قامت هذه الدعوة، وأنها كانت ثورة دينية سياسية أدبية، قام بها العباسيون ومن ناصرهم من الفرس وغيرهم، وأن غايتها كانت إقامة دولة للمسلمين لا للعرب خاصة، وانتهاج خطة جديدة تأخذ فيها بيد كل الشعوب التي دانت للإسلام، لتشترك في بناء الوحدة الإسلامية، وقد كان لهذا أثره العظيم في الدين والعلم والأدب والشعر، إذ أخذ العلماء من كل الشعوب يشتركون في بناء هذه الوحدة، وأخذ الأدباء والشعراء يقضون في الأدب والشعر على تلك النعرة العربية، ويعملون على تسهيل الشعر للناس، وتقيبه لتلك الشعوب الأعجمية التي رفعت رؤوسها في تلك الدولة، وكان أكثر أولئك الشعراء من أصل غير عربي، فانتهزوا فرصة قيام دولة العباسيين وإنصافها لهم، وقاموا بثورتهم الأدبية في