للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فعقد لهم التوبة من هذه الصناعة، واعفوا من قرار النفي؛ وحدث مثل ذلك للمغنين والمطربين، فهجروا الغناء واعفوا من المطاردة؛ وشدد في قتل الكلاب مرة أخرى. وفي شعبان من هذه السنة ذهب الحاكم في معاملة النساء إلى ذروة القسوة والشدة، فاصدر مرسومة الشهير بمنعهن من مغادرة دورهن والخروج إلى الطرقات بالليل والنهار، ومنعهن من دخول الحمامات العامة، ومنع الأساكفة من عمل خفافهن، فاختفى النساء من المجتمع المصري، وساده الانقباض والوحشة، وأغلقت المتاجر التي تبيع السلع النسوية، وساد الذعر بين النساء، ولزمن دورهن في روعة وخشوع، وعوقب كثير من المخالفات بالموت؛ واشتد الأمر بنساء الكافة اللائى ليس لهن من يقوم بأمرهن واستغثن بأولي الأمر، فأمر الباعة أن يحملوا السلع والأطعمة وكل ما يباع في الأسواق إلى الدروب، ويبيعوه للنساء في منازلهن، وان يحمل الباعة أداة كالمغرفة لها ساعد طويل يمد إلى المرأة وهي من وراء الباب وفيه ما تشتريه، فتتناوله وتضع مكانه الثمن، ولا يسمح لها مطلقاً أن تبدو من وراء الباب وعانى النساء هذه الشدة زهاء سبعة أعوام حتى وفاة الحاكم بأمر الله، وكان حادثاً منقطع النظير. ولم يحدث قط في أي مجتمع إسلامي، بل لم يحدث في أي عصر من عصور التاريخ أن عانى النساء مثل هذه المحنة القاسية، وسلبن الحرية على هذا النحو الشامل

وكان مما يزيد في صرامة القوانين الاستثنائية، الشدة في تنفيذها، وروعة العقوبات التي سنت لمخالفيها؛ وكان السهر على تطبيقها من أهم واجبات مدبر الدولة أو قائد القواد؛ فنجد مثلاً في السجل الصادر بتعيين (غين) قائداً للقواد ومديراً للشرطة والحسبة، (سنة ٤٠٢هـ) تنويهاً خاصاً بمراعاة تحريم النبيذ وغيره من الخمور وتتبع ذلك والتشديد فيه، وفي تحريم الفقاع وبيعه، وتحريم أكل الملوخية والسمك الذي لا قشر له، والمنع من الفرجة والملاهي كلها، ومنع النساء من حضور الجنائز، ومنع بيع الزبيب والعنب والعسل الخ، وكانت العقوبات تختلف بين التشهير والجلد، وتصل في أحيان كثيرة إلى الإعدام

هذه خلاصة وافية لما أصدر الحاكم أو أصدر في عهده من المراسيم والأوامر الاجتماعية الاستثنائية، ومعظمها يحمل طابع القسوة والشذوذ؛ ولكن سنرى إنها لم تكن دون غاية، ولم تصدر كما يبدو لأول وهلة، عن نزعة مخبول أو هائم، وان كثيراً منها يحمل بالعكس

<<  <  ج:
ص:  >  >>