طابع الطرافة والحكمة، ويرمي إلى غايات بعيدة قد فطن إليها هذا الذهن الجريء، واتخذ منها مثلاً
- ٧ -
نعرض بعد ذلك إلى طائفة أخرى من مراسيم الحاكم بأمر الله هي المراسيم الدينية، وقد كانت كالمراسيم الاجتماعية تحمل في كثير من الأحيان طابع الشدة والتناقض
وبدأ الحاكم بهذه المراسيم الدينية لأول عهده بالحكم أيضاً. ففي سنة ٣٩٥هـ، اصدر أمره للنصارى واليهود بلبس الغيار وشد الزنار؛ وفي سنة ٩٩ أمر بهدم بعض كنائس القاهرة ونهب ما فيها، ونفذت الأوامر بهدم كنيسة قمامة (القبر المقدس) ببيت المقدس ونهبها، ولكن أكابر الأحبار والنصارى سعوا على ما يظهر حتى عدل عن تنفيذ الهدم؛ وفي العام التالي صدر مرسوم جديد بالتشديد على اليهود والنصارى في لبس الغيار وتقلد الزنار. وفي سنة ٤٠٢ صدر مرسوم شامل ضد النصارى واليهود، يقضي بأن يلبسوا العمائم السود، وان يعلق النصارى في أعناقهم صلباناً ظاهرة من الخشب طول الواحد منها ذراع في ذراع ووزنه خمسة أرطال، وان يعلق اليهود في أعناقهم قرامي من الخشب زنتها خمسة أرطال أيضاً. وحرم على الفريقين معاً ركوب الخيل، وان يكون ركوبهم الحمير والبغال بسرج من الخشب وسيور سود عاطلة من كل حلية، وألا يستخدموا مسلماً أو يقتنوا عبداً مسلماً أو جارية مسلمة، أو يركبوا حماراً لمكاري مسلم، أو سفينة لملاح مسلم، وأن يحمل النصارى الصلبان، واليهود الأجراس في أعناقهم عند دخول الحمام تمييزاً لهم عن المسلمين؛ ثم أفردت لهم بعد ذلك حمامات خاصة، وعلقت الصلبان على حمامات النصارى، وقرامي الخشب على حمامات اليهود، وطبقت هذه الأوامر والقوانين بمنتهى الصرامة فاشتد الأمر على اليهود والنصارى وساد بينهم الروع والرهبة، وأسلم كثيرا منهم تجنباً لهذه المطاردة ونفى الكثير منهم خارج الديار المصرية، وهدم كثير من الكنائس والأديار والبيع ونهبت، وصدر بعد ذلك أمر جديد بهدم كنيسة قمامة (القبر المقدس). وعانى اليهود والنصارى هذه المحنة أعواماً، وكانت من اشد ما عانوا في ظل الدولة الإسلامية بمصر. ثم خفت وطأة المطاردة عنهم، وأطلقوا من بعض قيودهم، وسمح لهم بتجديد ما درس من الكنائس والبيع، وارتد كثير ممن أسلموا منهم إلى دينه الأول، بيد انهم