الداخلي للكل في الجزء وللجزء في الكل، وليس هذا عند العرب، فهم لا يرون إلا الجزء المنفصل وهم يستمتعون بكل جزء على انفراد، لا حاجة لهم بالبناء الكامل المتسق في الأدب، لأنهم لا يحتاجون إلا للذة الجزء واللحظة، قليل من الكتب العربية في الأدب تقوم على موضوع واحد متصل، إنما أكثر الكتب كشاكيل في شتى الموضوعات تأخذ من كل شيء بطرف سريع: من حكمة وأخلاق ودين ولهو وشعر ونثر ومأكل ومشرب وفوائد طبية ولذة جسدية، وحتى إذ يترجمون عن غيرهم يسقطون كل أدب قائم على البناء، فلم ينقلوا ملحمة واحدة ولا تراجيديا واحدة ولا قصة واحدة، العقلية العربية لا تشعر بالوحدة الفنية في العمل الفني الكبير، لأنها تتعجل اللذة، يكفيها بيت شعر واحد أو حكمة واحدة أو نغم واحد أو زخرف واحد لتمتلئ طرباً وإعجاباً، لهذا كله قصر العرب وظيفة الفن على ما نرى من الترف الدنيوي وإشباع لذات الحس، حتى الحكمة، وشعراء الحكمة كانوا يؤدون عين الوظيفة: إشباع لذة المنطق، والمنطق جمال دنيوي ولا استغرب غضب نيتشه على إيروبيد لإسرافه في هذا المنطق على حساب الموسيقى، ومن المستحيل أن نرى في الحضارة العربية كلها أي ميل لشؤون الروح والفكر بالمعنى الذي تفهمه مصر والهند من كلمتي الروح والفكر. إن العرب أمة عجيبة، تحقق حلمها في هذه الحياة، فتتشبث به تشبث المحروم، وأبت إلا أن تروي ظمأها من الحياة وأن تعب من لذتها عباً قبل أن يزول الحلم وتعود إلى شقاوة الصحراء، وقد كان. إن موضع الحضارة العربية من (سانفونية) البشر كموضع الـ (سكِيْرتزو) من سانفونية بيتهوفن: نغم سريع مفرح لذيذ!!
لا ريب عندي أن مصر والعرب طرفا نقيض: مصر هي الروح، هي السكون، هي الاستقرار، هي البناء، والعرب هي المادة، هي السرعة، هي الظعن، هي الزخرف!
مقابلة عجيبة: مصر والعرب وجها الدرهم، وعنصرا الوجود، أي أدب عظيم يخرج من هذا التلقيح! إني أؤمن بما أقول يا دكتور. وأتمنى للأدب المصري الحديث هذا المصير: زواج الروح بالمادة، والسكون بالحركة، والاستقرار بالقلق، والبناء بالزخرف! تلك ينابيع فكر كامل ومدنية متزنة لم تعرف البشرية لها من نظير، إن أكثر المدنيات تميل إما إلى ناحية الروح وإما إلى ناحية المادة.
حضارة واحدة قيل أنها استطاعت في وقت ما هذا المزج بين الروح والمادة وهذا الاتزان