شديدة منكرة، وكانت القمراء تغمر السهل والغاب والجبل، وكان البدر يتنقل في دارات السماء، والرياح تهب سجسجاً، والبلابل تغرد فوق أغصان التفاح فتطرب وتشجي؛ وكأن سنة من النوم خفيفة رقصت في خمسين من عيون أرجس فأطبقت قليلاً، ولكن ما برحت الخمسون الأخرى تنافس الثريا ببريقها؛ وكانت البقرة ملقاة على الثرى المندى من الإعياء، فلما شهدت هرمز لم تحفل به
ولكن ما هذه الموسيقى الحنون!!
ومن العازف في هدأة الليل!
وما للنجوم تضطرب هكذا من الطرب؟
آه. . لقد تحول هرمز الصناع إلى شاب ذي قوة وذي فتوة وذي جمال، وبدأ في شكل راع من رعاة الضأن، وجلس القرفصاء على صخرة مقابلة لآرجس، ثم انبرى يعزف على يراعه المثقب الذي اتخذه من قصب البرية الفسيحة التي اقبل منها، وانبطحت في السفح شاؤه ونعمه. تغط في شبه نوم عميق. . . .
واستيقظت الخمسون الأخرى من عيون الأرجس، ودب النشاط في هيكله الضخم مما سمع من حسن التوقيع وروعة اللحن فانتفض انتفاضة كان بها عند هرمز - الراعي الفتي - فسلم عليه وصافحه وجلس بين يديه كالعنز يسمع ويطرب وينتشي، ثم اخذ معه في حديث طويل عن موسيقاه العذبة وألحانه الرقيقة، ثم استطرد فسأله عن نايه، مم صنعه، أو من ذا الذي وهبه له؟. . .
فقال هرمز:(في إحدى الغابات ذات الأيك البالغ عنان السماء، والدوح المنتشر في الأرجاء، كانت تعيش سيرينكس عروس الماء المرحة، ذات السيقان الناعمة، والجسم الأبيض الخصب الجميل. وكانت تهوى الرياضة وتقبل عليها، وتؤثر منها الجري والوثب والقفز، والتعلق بأطراف الشجر، ثم السباحة. وكانت تجري فتسبق الريح وتعدو فيتعثر الظليم في آثارها، ولا تدرك الصافنات غبارها. وطالما طلبت إليها آلهة الغاب مسابقتها، فكانت تأذن لهم فيجرون قبلها مرحلة، ثم تنطلق فتحلق بهم، وتسبقهم بمراحل!. . .)
وتثاءب هرمز الخبيث وقال: (ومن طريف ما حدث لها، إن بان العظيم، رب الرعاة واله المروج وسيد الغاب، ومعبود الناس في اركاديا، لمحها يوماً تعدو وكأنها زوبعة، فتبعها؛