ولكنها شأته. وأجهدته! مع ما هو معروف عنه من السبق والتفوق في الجري وحاول أن يلحق بها فضاعف سرعته وأطال خطواته ولكن هيهات!. . . والتفتت سيرينكس فرأته يطوي أديم الأرض من خلفها. ففزعت أيما فزع، وهالها منظره الشائه الغريب. . . فسيقانه العنزية الأربعة، وأذناه البهيميه الشاخصة، وجسمه المفتول ذو العظل ووجه الواسع العريض. . . كل ذلك بعث في قلبها الذعر وهاج في نفسها الرعب حتى كادت تذهب شعاعاً.)
وتثاءب هرمز ثانية وثالثة، ثم قال:(. . واعترضها نهر عظيم فصرخت في أخواتها عرائس الماء تستغيث بهن، وتطلب إليهن النجدة، فما أذهل بان عن نفسه إلا أن رأى طائفة من هذه العرائس تبرز من الماء فجأة فتجذب سيرينكس حتى تغيبنها في اليم، ثم ما أذهله أيضاً إلا أن يرى قصبات رقيقة، ذوات أرياش صفيقة، تنمو في الموضع من الماء غيبت فيه سيرينكس!!
ووقف بان مشدوه اللب، ذاهل الفكر، يحملق في النهر الذي طوى منية القلب، وهوية النفس، ثم انثنى فنزع القصبات النامية، وراح يصنع منها نايا حلو النغم رقيق اللحن، حنون الجرس
ولقيته مرة في روضة مونقة، منضورة منسقة، وكان بان يجلس على رابية بها معشوشبة، عازفاً على يراعه، فطربت لموسيقاه طرباً شديداً؛ ودلفت إليه، فرجوته أن يهب الناي لي، فتبسم قائلاً. (إليك يا بني أكرم القنى وأعز الذكريات. . .)
وشهدت عبرات تنطلق من مقلتيه، حاول أن يخفيها عني. . .
وكان هرمز وهو يبقي هذه الأقصوصة التي اخترعها اختراعاً، يحاول أن يمطها مطا، ويزيد في ثناياها حواشي مملة، ويزخرفها بتعليقات لا غناء فيها. وكان يتثاءب ويتثاءب، وكانت الكلمات تساقط من فمه كأنها مشدودة بسلسلة من حديد، حتى تثاءب آرجس هو الآخر، وغلبه نعاس شديد أغلق عيونه كلها. وابتهج هرمز الخبيث لذلك، وجعل يروح على وجه آرجس، حتى انطلق الشخير من أنفه الكبير تجاوب أصداءه الضفادع. . .!
وهنا. . . امتشق هرمز جرازه المرهف وأهوى به على عنقه الطويل، فانفصل الرأس عن البدن، وغادرهما معفرين بالتراب، وعاد أدراجه إلى الأولمب يحمل إلى والده نبأ المعركة.