مذبوحة أبدا، أو مهشمة أبدا، يقول الله له: أنت بدرتني بنفسك، وجريت معي في القدر مجرى واحدا، فستخلد نفسك في الصورة التي هي من عملك، وما قتلت ألا حسناتك.
قال الشعبي: ولو عرف قاتل نفسه أنه سيصنع من نفسه جيفة أبدية، فمن ذا الذي يعرف أنه إذا فعل كذا وكذا تحول حمارا وبقي حمارا فيرضى أن يتحول ويسرع ليتحول؟
من ذلك نظر النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى جنازة ذلك الرجل الذي قتل نفسه كما ينظر إلى ذبابة توجهت بالسب إلى الشمس والكواكب والأفلاك كلها، ثم جاءته تقول له: اشهد لي.
قال الشيخ: ومم يقتل الإنسان نفسه؟ أما إن الموت آتٍ لا ريب فيه ولا مقصر لحي عنه، وهو الخيبة الكبرى تلقى على هذه الحياة، فما ضرر الخيبة الصغيرة في أمر من أمور الدنيا؟
أن المرء لا يقتل نفسه من نجاح بل من خيبة؛ فإن كانت الخيبة من مال فهي الفقر أو الحاجة، وان كانت من عافية فهي المرض أو الاختلال؛ وإن كانت من عزة فهي الذل أو البؤس، وان كانت مما سوى ذلك - كالنساء وغيرهن - فهي العجز عن الشهوة أو التخيل الفاسد
وليس يخيب الإنسان إلا خيبة عقل أو ارادة، والا فالفقر والحاجة، والمرض والاختلال، والذل والبؤس، والعجز عن الشهوة وفساد التخيل - كل ذلك موجود في الناس، يحمله أهله راضين به صابرين عليه، وهو الغبار النفسي لهذه الأرض على نفوس أهلها، ويا عجبا أن العميان هم بالطبيعة اكثر الناس ضحكا وابتساما وعبثا وسخرية؛ أفتريدون أن تخاطبكم الحياة بأفصح من ذلك؟
ليست الخيبة هي الشر، بل الشر كله في العقل إذا تبلد فجمد على حالة واحدة من الطمع الخائب، أو في الإرادة إذا وهنت فبقيت متعلقة بما لم يوجد. أفلا ترون أنه حين لا يبالي العقل ولا الإرادة لا يبقى للخيبة معنى ولا أثر في النفس، ولا يخيب الإنسان حينئذ بل تخيب الخيبة نفسها؟
لهذا يأبى الإسلام على أهله الترف العقلي والتخيل الفاسد، ويشتد كل الشدة في أمر الإرادة؛ فلا يترخص في شيء يتعلق بها، ولا يزال ينميها بأعمال يومية تشد منها لتكون رقيبة على