يرضونه فيبايعونه فلم يطل الأمر بعد المناقشة الأولى بل ازدحم الناس على أبي بكر يبايعونه وهم قانعون مما كان يعرفونه من وداعته وقوته وقدمه في الإسلام. ولم يخل الأمر مع هذا من وجود بعض الساخطين على هذا الاختيار مثل سعد بن عبادة من أهل المدينة ومثل أبي سفيان من أهل مكة، ولكن سيرة أبي بكر في مدة حكمه أرضت عنه من كان كارهاً لطريقة اختياره منتقداً لها لما رأى فيها من السرعة وعدم التمام.
وكان أبا بكر نفسه يشعر بأن طريقة اختياره لم تكن معصومة من النقد فقد روي عنه أنه لما مرض مرضه الأخير دخل عليه عبد الرحمن بن عوف وكان بينهما حديث طويل جاء فيه أن أبا بكر كان يشعر بالندم الشديد على أنه لم يكن قد سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن هذا الأمر لمن هو حتى لا يختلف فيه الناس، وعما إذا كان للأنصار حق فيه أم هو وقف على قريش.
ولم يرض أبو بكر أن يترك الناس للاختلاف مرة أخرى فقد كانوا في المرة الأولى حديثي عهد بالرسول، فكان أثر شخصه العظيم داعياً إلى زوال كثير من الحرص وتملك الزهد في النفوس وخشي أبو بكر أن يكون للناس عند موته فرصة للخلاف مع وجود جنود المسلمين في وجهين عظيمين تلقاء مملكتي الفرس والروم، فرأى أسلم طريق أن يعهد إلى صاحبه المجرب ووزيره القوي المؤتمن عمر بن الخطاب.
غير أن طريقة استخلاف عمر كانت طريقة جديدة قابلها أهل المدينة بالرضى الصامت الذي لا يخلو من النقد الصامت، بل قد صعدت بعض أصوات النقد من بعض الزعماء، فأن طلحة مثلاً قيل أنه لام أبا بكر على اختيار عمر إذ كان يرى فيه شدة وصلابة، وقد روي أن عبد الرحمن بن عوف نفسه عندما دخل على أبي بكر في مرض موته استشاره أبو بكر في تولية عمر فأنكر عليه ذلك وقال إن فيه شدة وصلابة.
وعلى كل حال قد مضى أبو بكر في عهده إلى عمر وسن بذلك سنة جديدة، وهي أن الخليفة له أن يفرض على المسلمين أن يتبعوا رأيه بعد موته في تولية من يختار لهم بغير أن يكون لهم الحق في أن يحيدوا عنه، أو يعدلوا من رأيه، فكان تلك سابقة للطريقة التي سيتبعها عمر في رسم خطة اختيار الخليفة بعده.
غير أن أبا بكر وإن أبتدع سنة جديدة لم يخرج عن السنة التي رسمت في أول الأمر