تبكي على طلل الماضين من أسَد ... لا دَرّ دَرُّكَ قل لي من بنو أسد
لا جَفّ دمع الذي يبكي على حجر ... ولا صفا قلب من يصبو إلى وتد
وهذه ثورة على القديم حقاً، ثورة تفتن بعض دعاة التجديد في عصرنا، ولكنها عندي ليست هي الثورة الصحيحة التي يجدر بها أسم الثورة، وتستحق أن تدعى تجديداً في الأدب، وإنما هي ثورة شعوبية عابثة، ولا فرق بين ابتداء القصيد بالنسيب وابتدائها بوصف ابنة العنب، بل ربما يكون ابتدائها بالنسيب أروح عند النفس، وأخف في السمع؛ وإنما التجديد في ذلك ما سبق به شاعر بني مروان العظيم: الكميت ابن زيد الأسدي، وهذا في هاشمياته التي أنشأها في مدح بني هاشم والدعاية لهم في ذلك العصر، وكانت أول شعر قاله فسترها ثم جاء الفرزدق فقال له: يا أبا فراس إنك شيخ مضر وشاعرها، وأنا ابن أخيك الكميت بن زيد الأسدي، فقال له: صدقت أنت ابن أخي فما حاجتك؟ قال له: نُفِثَ على لساني فقلت شعراً أحببت أن أعرضه عليك، فإن كان حسنا أمرتني بإذاعته، وإن كان قبيحاً أمرتني بستره، وكنت أولى من ستره عليّ، فقال له الفرزدق: أما عقلك فحسن، وإني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك فأنشد ماقلت، فأنشده:
طرِبُت وما شوقاً إلى البيض أطرَبُ
قال: فيم تطرب يا ابن أخي؟ قال:
ولا لعباً مني وذو الشوق يلعب
قال: بلى يا ابن أخي - قال:
ولم يُلهني دار ولا رسم منزل ... ولم يتطربني بَنانٌ مُخضَّب
قال: وما يطربك يا ابن أخي؟ قال:
ولكن إلى أهل الفضائل والتقى ... وخير بني حَوّاَء والخير يطلب
قال: ويحك من هؤلاء؟ قال:
إلى النفر البيض الذي بحبهم ... إلى الله فيما نابني أتقرب
قال: أرحني ويحك من هؤلاء؟ قال:
بني هاشم رهط النبي فإنني ... بهم ولهم أرضى مراراً وأغضب
خفضت لهم مني جناحي مَوَدّةً ... إلى كنفٍ عِطافهُ أهل ومرحب