(أي بني! أي إيكاروس العزيز! سنطير من هنا يا ولدي! إلى أين؟ لست ادري! ولكننا سنفلت من هذا السجن على كل حال! وهاأنذا قد صنعت الأجنحة التي تخيلها املك الصغير الذي هو أكبر من جميع آمالي! ولقد رأيت إلى كيف كنت أذيب الشمع قريبا من النار يا ولدي، فأوصيك إذا طرنا ألاَّ تترك سمتي، وأن تكون دائما قريبا مني، فإني أخشى إذا علوت علوا شاهقا أن تصهر الشمس شمع جناحيك، فتهوى في البحر، فتتردى في أعماق الموت! وكما أخشى عليك من العلو الشاهق، فكذلك لا أرى لك أن تدنو من الماء، فإنه إن وصل إلى الشمع أيبسه، ولم يعد يصلح لمهمة الطيران، إذ يساقط قطعة فقطعة، ويتناثر الريش، وتسقط، إما في البحر فتغرق، وإما في الأرض فيندق عنقك. فلا تنس يا بني أن تتبعني أبداً، وأحذر أن تعلو فتدنو من الشمس، أو أن تسفل فيصيبك رذاذ الماء ورشاشه. إليَّ يا ولدي اثبت لك جناحيك، ولنمض على بركة ز. . . ز. . . زيوس!!)
وتلجلج لسانه حين أراد أن ينطق باسم الإله الأكبر، لأنه يثق أنه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وهو محيط بعباده، لا ينسى أن ينتقم من الظالمين للمظلومين!
وانطلقا من الشرفة، والقيا على القصر، وما أحاط به من حرس وعسس، نظرات كلها نقمة وتغيظ. . .
ومرا بشطوط كثيرة ومروج كبيرة، وكان الصيادون والزراع والبحارون وأهل القرى كلما رأوا هذين الطائرين الكبيرين، ذوي الهيئة الآدمية، خروا للأذقان سجدا، يحسبون أنهما إلهان من آلهة السماء، هبطا يباركان الناس والخلق، فيهللون ويكبرون!!
فهذا شيخ يطلب إليهما أن يباركا في عقبه ويمدا في اجله، وهذه شمطاء تدعو أن يردا عليها جمالها الضائع وشبابها الذاهب، وتيك رؤوم تناجي ابنها في قبره فتطلب إليهما أن ينفضاه من الثرى! وهؤلاء فلاحون يصرخون أن يمنا عليهم فيخلصاهم من الفقر والمتربة. . .
وشاع الزهو في أعطاف إيكاروس، فكان يرتفع قليلا، أو يهبط قليلا عن سمت أبيه؛ ثم تشجع وتشجع، وبهرته زرقة السماء وأديمها الصافي، فجازف وارتفع ارتفاعا شاهقا، ونسي وصية أبيه، فعلا وذهب في السماء صعدا، وكان يغريه أن يصغر العالم الأرضي