فيك؟ قلتُ: ما عَدَوْتِ ما في نفسي؛ ولكن هل بقي فيّ من تُفجعين فيه؟ أما ذهب مني ذاك الذي كان لك زوجاً وكاسباً، وجاء الذي هو هُّمك وهُّم هذا الصبيّ من رجلٍ كالحفرة لا تنتقل من مكانها وتأخذ ولا تعطي؟
أم واللهِ لكأني خُلقتُ إنساناً خطأ، حتى إذا تبين الغلط أُريد إرجاعي إلى الحيوان فلم يأتِ لا هذا ولا ذاك، وبقيت بينهما؛ يمر الناس بي فيقولون إنسان مسكين؛ وأحسبُ لو نطقت الكلابُ لقالت عني كلبٌ مسكين. يا عجباً عجباً! لا ينتهي، أصبحت الدنيا في يدنا من العجز واليأس كأنما هي بَعرةٌ نجهدُ في تحويلها ياقوتةً أو لؤلؤة. . . .
فقالت المرأة: والله لئن حَييت على هذا إن هذا لكفرٌ قبيح، ولئن متّ عليه إنه لأقبحِ وأشد
فقلت لها: ويحكِ وماذا تَنظر العينُ المبصرةُ في الظلام الحالكِ إلا تنظًر العمياء؟
قالت: والله إني لأرى كل ذلك وأكثر من ذلك. أرى قمراً سيكشف هذه السُّدفَةَ المظلمة إن لم يطلع فكأن قَدْ
قال: فغاظتني المرأة ورايتها حينئذ أشدّ علي بقلة ذاتِ عقلها من قلت ذات يدي؛ ولا حبي إياها ورحمتي لها لأوقعت بها. واستحكم في ضميري أن أُزهِق نفسي وأدَعًها لما كُتب لها
وقلت: إن جُبن المرأة هو نصف إيمانها حين لا يكون نصف عقلها، وللقَدَر يدٌ ضعيفة على النساء تَصفعهنً وتمسح دموعَهن، وله يدُ أخرى على الرجال ثقيلة تصفع الرجلَ وتأخذُ بحقله فتعصرُه
قال: وكنتُ قد سمعتُ قولً الجاهلية في هذه الخليقة: أرحامٌ تَدفع، وأرض تَبْلع. فحضرني هذا القولً تلك الساعةَ وشُبِّه لي، واعتقدتُ أن هذا الإنسان شيء حقيرٌ في الغاية من الهوان والضَّعة: حملتْه أمُّه كُرْهاً، وأثْقَلتْ به كُرهاً، ووضعته كُرهاً؛ وهو من شؤمِه عليها إذا دَنَا لها أن تَضعَ لم يخرج منها حتى يضربًها المخًاضُ فتتقلًّب وتصيح وتتمزَّق وتًنْصَدع؛ وربما نَشِبَ فيها فقتلها، وربما التوى فيُبْقرُ بطنُها عنه. وإذا هي ولدته على أيِّ حالِهْا من عُسرٍ وتطريق بمثل المطارق المحطِّمة، أو سَرَاحٍ ورَواحٍ كما يتيّسر - فإنما تلده في مَشِيمَةٍ ودماءٍ وقذَرٍ من الأخلاط كأنما هو خارج من جُرْح. ثم تتناوله الدنيا فتضعُه من معانيها في