أَقبحَ وأَقذرَ من ذلك كله. ثم يستوفي مُدَّته فيأخذه القبر فيكون شراً عليه في تمزيقه وتعفينه وإحالته
قال: وحضرني مع كلمة الجاهلية قَولُ ذلك الجاهل الزنديق الذي يُعرفُ (بالبَقلْيّ) إذ كان يزعم أن الإنسان كالبَقْلة - فإذا مات لم يَرجع. وقلت لنفسي؛ إنما أنتِ بقلةٌ حمقاءُ ذاوية في أرض نشَّاشَةٍ فقتلها مِلْحُ أرضها أكثرَ مما أحياها
قال: وثُرتُ إلى المُدْية أريد أَن أتوَجَّأ بها، فتبادِرُني المرأةُ وتحولُ بيني وبينها؛ وأكاد أبطُشُ بها من الغيظ، وكانت روحُ الجحيم تَزْفِرُ من حولي، لو سًمِعوا سمعوا لها شهيقاً وهي تفور؛ فما أدرى أَيُّ مَلكٍ هبط بوحي الجنة في لسان امرأتي
قلت لها: إنها عَزْمةٌ مني أن أقتلَ نفسي
قالت: وما أريد أن أنقُضها ولستُ أرُدَّك عنها وستُمضيها
قلت: فخلى بين نفسي وبين المُدية
قالت: كلنا نفسٌ واحدةٌ أنا وأنت والصبيّ فلنقْضِ معاً؛ وما بنفسي عن نفسك رغبةٌ، ولا ندعُ الصبيّ يتيماً يصفعُه من يُطعمه، ويضرُ به ابنُ هذا وابنُ ذاك إذ لا يستطيعُ أن يقول فيأولاً د الناسِ أنا ابن ذلك ولا ابنُ هذا
قلت: هذا هو الرأي
قالت: فتعالَ اذبح الطفل. . . .
قال المسيَّب بن رافع: وما بلغ الرجل فبي قصته إلى ذبح ابنه حتى ضجَّ الناسُ ضجةً منكَرة؛ وتوهم كل أبٍ منهم أن طفله الصغير مُمدَّدٌ للذبح وهو ينادي أباه ويشُقُّ حَلْقَه بالصراخ: يا أبي؛ أدركني يا أبي
أما الإمام فدَمًعتْ عيناه وكنتُ بين يديه فسمعتُه يقول: إنا لله، كيف تصنعُ جهنمُ حطَبها؟
وأنا فما قَطُّ نسيتُ هذه الكلمة، وما قطُّ رأيتُ من بعدها كافراً ولا فاسقاً فاعتبرتُ أعمالَه إلا كان كلُّ ذلك شيئاً واحداً هو طرقة صنعته حطباً. . . كأن الشيطان لعنه الله يقول لأتباعه: جَفِّفُوه. . . .
وكانت هُنيهاتٌ، ثم فاءَ الناسُ ورجعوا إلى أنفسهم وصاحبوا بالمتكلم: ثم ماذا؟
قال الرجل: ففتحتُ عيني وقلبي معاً ورمقْتُ الطفلَ المسكين الذي لا يملك إلا يديه