والنصارى، كان الحاكم يبدي كثيرا من التعصب والغلو سواء من الناحية الدينية العامة أو الناحية المذهبية الخاصة ولكن هذه الشدة استحالت في أواخر عصره إلى نوع من اللين والرفق بالنصارى واليهود؛ ذلك لان هذا الذهن المضطرم يستحيل عندئذ إلى ذهن فلسفي حر التفكير، ينظر إلى الأديان كلها نظرة واحدة؛ وإن كانت السياسة العليا تحتم عليه أن يؤيد دين الدولة ومذهبها الرسمي؛ وقد كان الحاكم ولد أم نصرانية كما قدمنا أفلا نستطيع، أثر هذه الأرومة أيضاً في هذا التكوين الديني المضطرب، وفي هذا التردد بين الشدة واللين؟ ومما يلاحظ في هذا الصدد إن موقف الحاكم إزاء النصارى واليهود هو من المواقف القليلة التي ثبت فيها الحاكم على سياسة واحدة، وإنه لن يجنح فيه من الشدة إلى اللين إلا في أواخر عصره حينما ظهر الدعاة السريون الذين يدعون إلى دين جديد وعقائد جديدة وقوانين الحكم الاجتماعية؟ هل كان تشريعاً جنونياً خاليا من كل باعث وحكمة؟ إن الحكم على هذه القوانين يقتضي أن نفهم روح العصر وخواص المجتمع المصري يومئذٍ؛ كان الحاكم بأمر الله على رأس خلافة مذهبية يقوم سلطانها السياسي على صفة الإمامة الدينية؛ وكانت هذه الخلافة تريد أن تحيط ملكها في مصر بسياج قوي من الخلال القوية التي أحاطت ملكها في المغرب؛ ولكنها الفت في مصر مجتمعا متحضراً يميل إلى الترف والحياة الناعمة، ولم ترد أن تضيق على هذا المجتمع بادئ بدء، لأنها كانت تخطب وده وتسعى إلى تأليفه؛ ولهذا كانت تسايره، وتغيره ببذخها وبهائها، وتطلق له أعنة البهجة والمرح، وتغمره بالمواسم الفخمة والحفلات والمواكب الشائقة؛ فكانت تذكر بذلك مرحه وخفته واستهتاره بدلا من أن تذكر فيه الخلال القوية التي تنشدها. وكانت عوامل الانحلال تجثم في قرارة هذا المجتمع الذي يخفى انحلاله تحث أثواب من الفخامة والبهجة؛ وكانت الرذائل الاجتماعية على اشدها حينما تولى الحاكم بأمر الله، وظهر ذلك الانحلال الاجتماعي في اشد مظاهره حينما نظمت حياة الليل، وشهد الأمير مواكبه الليلية مظاهر هذا الفساد الشامل. عندئذ عمد الحاكم إلى وضع هذه الخطة التي يمكن أن توصف بحق بأنها برنامج للإصلاح الاجتماعي، ولجأ إلى تلك القوانين والإجراءات الصارمة كوسيلة لمكافحة هذا الفساد الاجتماعي الشامل؛ وفيم تحريم الخمر ومطاردة المدمنين، وتحريم الغناء واللهو الخليع إلا أن يكون لتقويم أخلاق الشعب، وحماية أمواله وصحته من الإسراف