والعبث، وحماية المجتمع من ضروب الفساد التي يغرق فيها؟ إن الأمم العظيمة في عصرنا تلجأ في أحيان كثيرة إلى إصدار مثل هذه القوانين لبث الإصلاح الاجتماعي؛ وما عهد التحريم الأمريكي ببعيد، فقد حرمت الخمر في أمريكا مدى أعوام، وكانت تجربة اجتماعية هائلة لا تزال ذاكراها ماثلة في الأذهان؛ وما تزال بعض الدول تحرم بعض الملاهي التي تراها خطرا على الأخلاق العامة؛ وما تزال بعض الحكومات تحد من حريات الشعب في التجوال بالليل في ظروف معينة حرصاً على الأخلاق والأمن العام
ومطاردة المرأة والحجر عليها؟ لا ريب أن الحاكم كان يذهب في ذلك إلى ذروة الغلو والإغراق، ولكن المرأة من أشد عوامل الفتنة والغواية، ولاسيما في عصور الفساد والانحلال، وقد رأى الحاكم، في الحجر على المرأة، والمباعدة بينها وبين الرجل في حياة المدينة، وسيلة لمكافحة الرذيلة وحماية الأخلاق الفاضلة. أما الإغراق في تطبيق التجربة، فهو بلا ريب أثر من إغراق هذا الذهن الهائم في كل ما يعتقد ويبتكر؛ وإذ كنا نستطيع أن نعلل فكرة الحجر على المرأة وإبعادها عن مجتمعات المدينة، فمن الصعب علينا ذلك الإغراق في تطبيقها إلى حدود من القسوة الذريعة. بيد أنه ليس من الإنصاف أن ننكر على الإجراء كل حكمة، فإن من المحقق أنه كان ذا اثر كبير في درء الفساد الشامل وتنقية حياة المدينة، وإنا لنشهد في عصرنا في بعض الأمم العظيمة فكرة مماثلة في الحد من حريات المرأة الاجتماعية وردها إلى حظيرة الأسرة مع فرق في العصر والظروف. ففي إيطاليا الفاشستية، وألمانيا الهتلرية تفقد المرأة كثيرا من حريتها، ويحضر عليها التبذل والتهتك في الأزياء؛ وفي إيطاليا تلزم بان لا يقل ثوبها عن طول معين؛ وفي ألمانيا وإيطاليا يحضر اليوم كثير من ضروب اللهو الخليع، وتمنع الحانات الليلية والملاهي العارية. ولا ريب أن الفكرة التي أملت على الحاكم خطته، وتملى اليوم على ألمانيا الهتلرية وإيطاليا الفاشستية خطتها نحو المرأة، ترجع في جوهرها إلى اصل واحد، هو مكافحة عوامل الغواية والفساد التي يبثها تهتك المجتمع النسوي وإمعانه في صنوف الاستهتار والخلاعة
وأما تحريم بعض أنواع الأطعمة فقد يرجع إلى أسباب صحية لها قيمتها في ذلك العصر، وإما تحريم ذبح الأبقار السليمة فهو إجراء ظاهر الحكمة وهو المحافظة على النسل. وأما قتل الكلاب فهو تحوط صحي لا يزال يتبع في عصرنا في جميع الأمم المتمدنة