للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الباكية، ثم يعتلج في صدرها مع الحب، فيتردد عالياً ونازلاً، ثم يرفضُّ الكلامُ في آخره دموعاً تجري

قال المسيَّب: فنظر إليّ مجاهد وقال: عدُوّةُ الجنة والله هذه يا أبا محمد، لا تقبل الجنةُ من يكون معها. تقول له: كنتَ مع عدُوتي!

ثم قال الفتى: وكان القوم قد انتشوا، فاعتراهم نصف النوم وبقى نصف اليقظة في حواسهم، فكل ما راؤه منا راؤه كأحلام لا وجود لها إلا خلف أجفانهم المثقلة سكراً ونعاساً. ووثبت المغنيةُ فجاءت إلى جانبي والتصقت بيّ، وأسرع الشيطانُ فوسوس لي: أن أحذر فأنك رجلُ صدق، وإذا صدقت في الخمر فلا تكذبنّ في هذه، ولئن مسسْتها إنها لضياعك آخر الدهر!

فعجبتُ أشدّ العجب أن يكون شيطاني أسلم وأعنْت عليه كما أعين الأنبياء على شياطينهم. ولكن اللعين مضى يصدُّني عن المرأة دون معانيها، وكان مبني كالذي يُدني الماءَ من عيني القتيل المتلهبِ جوفه ثم يجعله دائماً فوتَ فمه، ولقد كنتُ من الفحولة بحيث يبدو لي من شدة الفورةٍِ في دمي وشبابي أن أجمع في جسمي رجالاً عدةٍ، ولكن ضربني الشيطانُ بالخجل فلم أستطع أن أكون رجلاً مع هذه المرأة

وعجبتْ هي لذلك وما أسرع ما نطق الشيطانُ على لسانها بالموعظة الحسنة. . .! فقالت: لقد أحببتك ما لم أحبّ أحداً، وأحببتُ خجلك أكثر منك، فما يسرُّني أن تأثم فيّ فتدخلَ النار بحبي، ولو أنك ابتعتني من مولاي؟ فقلت: بكم اشتراكِ؟ قالت: بألف دينار! قلت: وأين هي مني وأنا لو بعت نفسي ما حصلت لي؟

فتمم الشيطانُ موعظته وقالت: إن قلبي قبلك غنياً كنت أو فقيراً، وأحسّ بك وحدكُ حبِّ العذراء أول ما تُحبّ، وأنا - كما تراني - أعيش في السيئات كالمكرهة عليها، فأعمل على أن تكون أنت حسنتي عند الله، أذهب إليه حاملةً في قلبي إياك وعفتي عنك، ولئن كانت عفةُ من لا يشتهي ولا يجد تعدُّ فضيلة كاملة، إن عفة من يجد ويشتهي لتعدُّ ديناُ بحاله. ولا يزال حبي بكراً، ولا أزال في ذلك عذراء القلب، وهؤلاء قد نزعوا الحياء عني من أجل أنفسهم، فألبسينهِ أنتَ من أجلك خاصة، وإن قوة حبي الذي سيتألم بك ويتعذب منك لطول ما يصبر عنك، ستكون هي بعينها قوةً لفضيلتي وطهارتي ثم تناولتْ عودها

<<  <  ج:
ص:  >  >>