فلو أنا على حجر ذُبحْنا ... جرى الدّميان بالخبر اليقين
وجعلت تتأوه في غنائها كأنها تُذبح ذبحاً، ثم وضعت العود جانباً وقالت: ما أشقاني! إذا اتفقت لي ساعةُ زواجي في غير وقتها فجاءت كالحلم يأتي بخيال الزمن فلا يكون فيه إلا خيال الأشياء
ثم سألتني: ما بالك لم تشرب الخمر ولم تدخل في الديوان؟ فبدر شيطاني المؤمن. . . وساق في لساني خبر أمي وأبي، فانتضحت عيناها باكية وتم لها رأيٌ فيّ كرأي أنا في المسكُر؛ وكان شيطانها بعد ذلك شيطاناً خبيثاً مع أصحابها، وبطريقاً زاهداً معي أنا وحدي!
ورأيتها لا تجالسني إلا مُتزايلة كالعذراء الخفرة إذا انقبضت وغطت وجهها، وصارت تخافني لأنها تحبني، وهيّبني الشيطان إليها فعادت لا ترى فيّ الرجل هو تحت عينيها الثَّيِّبتين. . . ولكن القديس الذي تحت قلبها البكر
ولم يعد جمالي هو الذي يعجبها ويصبيها، بل كان يعجبها مني أني صنعةُ فضيلتها التي لم تصنع شيئاً غيري. . .
وأنطلق الشيطانُ بعد ذلك فيّ وفيها بدهائه وحنكته وبكل ما جرَّب في النساء والرجال من لدن آدم وحواء إلى يومي ويومها. . .! فكان يجذبني إليها أشدَّ الجذب، ويدفعها عني أقوى الدفع، ثم يغريني بكل رذائلها ولا يغريها هي إلا بفضائلي. وألقى منها في دمي فكرة شهوةٍ مجنونةٍ متقلّبة، وألقي مني في دمها فكرةٍ حكمةٍ رزينةٍ مستقرّة. وكنت ألقاها كلُّ يومٍ وأسمع غناءها؛ فما هو بالغناء ولكنه صوتُ كلُّ ما فيها لكل ما فيّ، حتى لو التصق جسمها بجسمي وسار البدنُ البدن، وهمس الدم للدم، لكان هو هذا الغناء الذي تغنيه
وأصبحت كلما استقمتُ لحبها تلوّت عليّ؛ إذ لستُ عندها إلا الأمل في المغفرة والثواب، وكأنما مسختُ حبلاً طوله من هنا إلى الجنة لتتعلّق به. وعاد امتناعها جنوناً دينياً ما يفارقها، فابتلاني هذا بمثل الجنون في حبها من كلف وشغف
وانحصرت نفسي فيها، فرجعتُ معها أشد غباوةً من الجاهل ينظر إلى مدّ بصره من الأفق فيحكم أن ههنا نهاية العالم، وما ههنا إلا آخر بصره وأوّلُ جهله. وانفلت مني زمامُ روحي، وانكسر ميزان إرادتي، وأختل استواء فكري، فأصبحت إنساناً من النقائض المتعادية أجمع